كتب مصطفى قطب
في مجتمعٍ لا يكتمل استقراره دون عدالة ناجزة، يبرز مفهوم ردّ الاعتبار كإحدى أهم الأدوات القانونية التي توازن بين تطبيق العقوبة وصون كرامة الإنسان بعد انتهائها. ففلسفة هذا النظام تقوم على إتاحة فرصة جديدة لكل من أدّى ما عليه من التزامات قانونية، ليعود إلى المجتمع مواطنًا كامل الحقوق، دون وصمة أو إقصاء يحولان بينه وبين حياة طبيعية.
يُعرَّف ردّ الاعتبار بأنه الإجراء الذي يُمكّن الشخص من محو الآثار الجنائية لحكم صدر ضده، سواء كان هذا الحكم جنحة أو جناية، شريطة استيفاء شروط قانونية محددة. ويُعد هذا الإجراء بمثابة إعلان رسمي بأن المجتمع يعترف بإصلاح الشخص، ويُزيل الصفة الإجرامية عن سجله، بما يضمن له حرية الحركة، والعمل، والسفر، والتعامل أمام المؤسسات دون أي عوائق.
العدالة بين العقوبة والإصلاح
يرى خبراء القانون أنّ العقوبة وحدها لا تكفي لدمج الأفراد من جديد؛ فالتصنيف المجتمعي يمكن أن يكون أشد قسوة من أي حكم قضائي. وهنا يأتي دور ردّ الاعتبار كحائط صدّ يحمي الأفراد من استمرار آثار الماضي، ويُعيد صياغة العلاقة بين المواطن والدولة على أساس من الثقة، والاحترام، والإصلاح الحقيقي.
ويؤكد مختصون أن النظام القانوني المصري وضع إجراءات واضحة لهذا الحق، تتضمن مرور مدة زمنية محددة بعد تنفيذ العقوبة، حسن السلوك خلال هذه الفترة، وتسوية الالتزامات المالية كافة، مثل الغرامات والتعويضات. كما يتيح القانون نوعين من ردّ الاعتبار: قضائي يتم بحكم محكمة، وقانوني يتم تلقائيًا عند توافر الشروط.
خطوة تعيد للإنسان مكانته
العديد من الحالات تعكس الأثر الاجتماعي الإيجابي لردّ الاعتبار. فالإجراء لا يقتصر على محو سوابق جنائية، بل يمتد ليؤثر في قدرة الشخص على الاندماج في سوق العمل، والالتحاق ببرامج مهنية، أو المشاركة في أنشطة مدنية كانت تتطلب سجلًا نظيفًا. ومن ثمّ يصبح ردّ الاعتبار بمثابة صفحة جديدة تُكتب بقلم العدالة، وتفتح بابًا أوسع للحياة دون قيود الماضي.
انعكاس مباشر على الأمن المجتمعي
خبراء علم الاجتماع يشيرون إلى أن تأهيل الأفراد ودمجهم من جديد يساهم في الحد من معدلات العود الإجرامي، ويعزز الشعور بالأمان داخل المجتمع. فحين يشعر المواطن بأن القانون لا يعاقبه فقط، بل يمنحه فرصة أخرى، ينمو لديه إحساس بالمسؤولية والانتماء.
بين الدولة والمواطن… عقد ثقة جديد
يعكس ردّ الاعتبار رؤية الدولة نحو منظومة عقابية إصلاحية، لا عقوبات فقط. فتمكين الأفراد من العودة للحياة الطبيعية هو أكبر دليل على أن العدالة لا تتوقف عند صدور الحكم، بل تمتد لتشمل مستقبل الإنسان وحقه في بداية جديدة.
المحطة الإخبارية جريدة إليكترونية شاملة