الأحد , ديسمبر 7 2025

سيرة عبده الزراع .. هامة أدبية شاهقة في سماء أدب الطفل

بقلم : د. محمد جمال الدين

لا تزال مصر بلد الأصالة والثراء الإبداعي، تمنحنا أسماءً تنسج من وهجها مستقبل الأدب، وتضع للطفل جسورًا من المعرفة والجمال، وفي صدارة هذه القامات يجيء الأديب والشاعر والباحث عبده الزراع، قيمة استثنائية تمزج بين الإبداع والرسالة،

 

وبين الإتقان والضمير، حتى غدا موسوعة حية تمشي على قدمين، ومرآة نقية تعكس غنى التجربة المصرية في أدب الطفل، من خلال عرق غزير، ومجهود ممتد لا يعرف الكلل، ومسيرة تتقاطع فيها القصيدة بالقصة، والمسرح بالنقد، والبحث العلمي بالعمل المؤسسي، وكل ذلك يشهد لهذا الرجل المبدع بخلقه، وبراعته، وقلمه المتألق، وحضوره الذي شكل علامة فارقة في سماء أدب الطفل العربي.

 

لم يكتب الزراع للطفل فحسب، بل كتب من أجل الطفل، ووقف حياته وطاقته وموهبته لخدمة هذا العالم البريء الذي يستحق أدبًا راقيًا ومسؤولًا، لذا فإن سيرة عبده الزراع ليست أوراقًا تُتلى، بل رحلة عطاء، جعل فيها من الطفل قضية ورسالة ومسارًا وأولوية، فصنع أجيالًا تقرأ وتحلم، وفتح أمام الطفولة نوافذ من المعرفة والخيال والأخلاق والقيم.

 

ولد الأديب عبده الزراع في 18 نوفمبر 1965، ومنذ بداياته الأولى كان واضحًا أنه يسير نحو مشروع ثقافي متكامل، يقوم على الكتابة للطفل وإرساء أسس ثقافة الطفولة في مصر والعالم العربي، وقد شغل في مسيرته العديد من المناصب المهمة التي تركت أثرًا مؤسسيًا لا يُمحى، منها، مدير عام الإدارة العامة للثقافة العامة بالهيئة العامة لقصور الثقافة، ومدير تحرير سلسلة سنابل للأطفال بهيئة الكتاب، ومعد برامج بالإذاعة المصرية، وعضو مجلس إدارة كرسي الألكسو في خدمة الطفولة، ورئيس لجانه المتخصصة، ورئيس شعبة أدب الأطفال باتحاد كتاب مصر، ورئيس لجنة أدب الطفل بنادي القصة، وعضو لجنة فنون الطفل بالمجلس الأعلى للثقافة، كما تولى سابقًا رئاسة تحرير مجلات وصحف ثقافية موجهة للطفل، أبرزها مجلة قطر الندى وجريدة أخبار الكتاب، وكان أحد مؤسسي مجلة عقلول، أول جريدة للطفل في مصر.

 

لم يكن عبده الزراع مجرد كاتب، بل حالة أدبية متدفقة أنتجت للطفل عشرات الدواوين الشعرية التي أصبحت علامات في الشعر الموجّه للصغار، مثل، رسمنا وردة – أراجوز فنان – العصافير بتحب النور – بساط النور – حلوة البطة – غنواية في لعباية – الشجر طارح أخضر – الوردة الصديقة – الطير الشادي وغيرها.

 

وفي عالم القصة قدم أعمالاً فارقة تُدرس لأسلوبها وقيمتها مثل، ليلة مولد النبي – دكان العم أحمد – نخلة الشيخ فارس – ألوان عمر – الشمس والشجرة – لومة وأحلام الزعامة – حسناء في قرية القمر – عم خميس.. بائع الفوانيس – شموسة والجمل وغيرها.

 

أما المسرح، فقد كان له فيه بصمة واضحة، كتابةً وتأليفًا وأشعارًا، وقدم نصوصًا أوركسترالية لخشبة مسرح الطفل في القاهرة والمحافظات، مثل، القلم المغرور – ثورة الألوان – إمبراطور البلي – الفنان – أبو الأحلام – كوكب سيكا وغيرها، ويُضاف إلى ذلك كتابه المهم شخصيات مصرية لها تاريخ، الذي تُرجم إلى ثلاث لغات عالمية.

 

لم يتوقف الزراع عند حدود الإبداع، بل قدم جهودًا نقدية ودراسية رصينة مثل، درامية القصيدة – أدب الطفل وثقافته – عوالم طفولية – ثقافة الطفل .. الراهن والمستقبل، إضافة إلى كتبه البحثية ومؤتمراته التي أثرت المشهد الثقافي المصري والعربي.

 

حصد الأديب عبده الزراع عشرات الجوائز الرفيعة، منها، جائزة الدولة التشجيعية في أغنية الطفل، وجائزة اتحاد كتاب مصر في أدب الطفل، وجائزة مدينة الشيخ زايد الكبرى، وجوائز في النص المسرحي والقصة والمشروعات الثقافية، والوصول للقائمة الطويلة لجائزة ساويرس، وتوج تقديره الوطني بتكريم رئاسة الجمهورية في عيد العلم عام 2005، كما مثل الزراع مصر في مؤتمرات عربية ودولية في الأردن والشارقة وأبو ظبي والجزائر، مقدمًا رؤية مصر في ثقافة الطفل، ومؤكدًا مكانة الأدب المصري وريادته.

 

إن مسيرة عبده الزراع، الممتدة لأكثر من ثلاثة عقود، ليست مجرد نتاج غزير، بل منظومة متكاملة أسست لثقافة طفل معاصرة، راسخة، وبعيدة عن السطحية والاستسهال، فلقد

جعل من الطفل إنسانًا كامل القيمة، يستحق أدبًا راقيًا، ومسرحًا واعيًا، وقصيدة ملهمة، وقصة تصنع خيالًا، ونقدًا يحمي المعنى، ولهذا أصبح عبده الزراع ليس كاتبًا للطفل فقط، بل مؤسسة كاملة بمفرده.

 

هكذا يتجلى اسم عبده الزراع في الذاكرة الثقافية المصرية والعربية كنبراس مضيء، وأحد أعمدة أدب الطفل الذين حملوا الرسالة بكفاءة ونُبل ووعي ومسؤولية، فمصر التي أنجبت رواد الفكر والفن هي ذاتها التي قدّمت للطفولة هذه الهامة الشاهقة التي كرست حياتها كي تزرع في وجدان الأجيال بذور الخير والجمال، لذا إن عبده الزراع يعتبر مرآة الثراء الأدبي المصري حقًا، وظل طويل لثقافة تُنير الطريق للأطفال ليصنعوا مستقبلًا يشبه أحلامهم.

شاهد أيضاً

مؤتمر علمي يبحث تجليات الإسكندرية في الفن الروائي

كتب : محمد جمال الدين تحت رعاية الأستاذ الدكتور عبدالعزيز قنصوة رئيس جامعة الإسكندرية، ينطلق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *