الأحد , ديسمبر 7 2025

رحلة استعادة الذات وتحرير القلب من أسر الاعتماد العاطفي

كتبت بوسي عواد

في عالمٍ يزدحم بالعلاقات المتسارعة والضغوط النفسية، أصبح التعلّق العاطفي ظاهرة متكررة تطال مختلف الفئات العمرية. ورغم أن الارتباط بالآخرين حاجة إنسانية، إلا أن التعلق غير الصحي يتحول تدريجيًا إلى قيد نفسي يستهلك طاقة الفرد، ويُفقده القدرة على اتخاذ القرارات باستقلالية. وعلى النقيض، فإن التعافي من التعلق يُعد خطوة جوهرية نحو استعادة التوازن النفسي وإعادة بناء الذات على قواعد أكثر نضجًا وقوة.

 

ما هو التعلق غير الصحي؟

 

يعرف الخبراء التعلق بأنه «اعتماد عاطفي زائد» يجعل الشخص مرتبطًا بوجود فرد معين بطريقة تفوق الحد الطبيعي، بحيث تصبح مشاعره، قراراته، وحتى استقراره النفسي مرهونًا بتصرفات الطرف الآخر. هذا النمط غالبًا ما ينشأ نتيجة تجارب الطفولة، أو نقص الأمان العاطفي، أو المرور بعلاقة غير مستقرة تترك آثارًا ممتدة.

 

علامات التعلق العاطفي

 

يؤكد متخصصو الصحة النفسية أن هناك مؤشرات واضحة تظهر على الشخص المتعلق، أبرزها:

 

الخوف المستمر من فقدان الشخص الآخر.

 

تضخيم قيمة العلاقة على حساب الذات.

 

تجاهل الإساءات أو التصرفات السلبية خوفًا من الفراق.

 

الاعتماد على الآخر لتحديد الشعور بالقيمة أو الأهمية.

 

صعوبة اتخاذ القرارات دون دعم عاطفي مباشر.

 

هذه العلامات لا تعكس حبًا، بل احتياجًا نفسيًا غير مُعالج.

 

التعافي… رحلة داخلية قبل أن تكون سلوكًا خارجيًا

 

تبدأ عملية التعافي من التعلق بالاعتراف بالمشكلة، وفهم جذورها بوعي وهدوء. فالتعافي ليس قطع علاقة فقط، بل إعادة بناء علاقة الفرد مع نفسه. ويشرح متخصصون أن أهم خطوات التعافي تشمل:

 

1. إدراك قيمة الذات بعيدًا عن الآخرين

 

على الإنسان أن يعيد تعريف نفسه بمعزل عن العلاقة. فالشعور بالقيمة يجب أن ينبع من الداخل، وليس من تقدير شخص آخر له أو اهتمامه به.

 

2. إعادة توجيه الطاقة نحو الذات

 

الاهتمام بالهوايات، تطوير المهارات، أو تعزيز الروابط الاجتماعية الصحية يساعد على ملء الفراغ العاطفي الذي كان يحتله التعلق.

 

3. وضع حدود واضحة

 

الحدود العاطفية هي خط الدفاع الأول ضد العودة إلى الأنماط القديمة. وتشمل تقليل التواصل غير الضروري، أو تجنب مواقف تغذي الاعتماد العاطفي.

 

4. قبول المشاعر بدلًا من مقاومتها

 

البكاء، الغضب، الحزن… كلها مشاعر طبيعية في مرحلة التعافي، واعتبارها جزءًا من التجربة يسهل تجاوزها.

 

5. اللجوء لمتخصصين عند الحاجة

 

العلاج النفسي يساعد على فهم الأسباب العميقة للتعلق، ويمنح الأدوات اللازمة لبناء علاقة أكثر اتزانًا مع الذات.

 

كيف ينعكس التعافي على الحياة؟

 

التعافي من التعلق لا يمنح الشخص حرية فقط، بل يعيد إليه قوة اتخاذ القرار وقدرة رؤية الواقع بوضوح. كما يعزز ثقته بنفسه، ويجعله أكثر استعدادًا للدخول في علاقة صحية مبنية على الاحترام المتبادل، لا على الخوف أو الاحتياج.

 

خبراء العلاقات يشددون على أن الشخص المتعافي يصبح أكثر وعيًا بنمطه العاطفي، وأكثر قدرة على حماية نفسه من أي علاقة تستنزفه أو تضعف حدوده النفسية.

 

التعافي… خطوة شجاعة نحو حياة أهدأ

 

التعلق يمنح شعورًا زائفًا بالأمان، بينما التعافي يحقق الأمان الحقيقي المعتمد على نضج الشخص وثقته بنفسه. إنها رحلة قد تكون مؤلمة، لكنها تُعيد للإنسان قوته، صوته، وتوازنه.

شاهد أيضاً

رحلة المجالس النيابية في مصر عبر 160 عامًا من التطور السياسي

كتبت بوسي عواد  يُعد تاريخ المجالس النيابية في مصر مرآة حقيقية لتطور الحياة السياسية والدستورية، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *