الأحد , ديسمبر 7 2025

عبلة الكحلاوي.. رحلة داعية مصرية صنعت مدرسة في الرحمة والعلم

كتبت بوسي عواد

تبقى الدكتورة عبلة الكحلاوي إحدى أكثر الشخصيات الدينية تأثيرًا في الوجدان المصري خلال العقود الأخيرة، لما قدّمته من خطاب إيماني إنساني، ولرحلة دعوية جمعت بين العلم الأزهري العميق والأسلوب القريب من القلب. ورغم رحيلها، فإن إرثها الدعوي والخيري لا يزال حاضرًا في المجتمع، يشهد على مسيرة امرأة تركت بصمة لا تُنسى.

 

البداية: من بيت فني إلى محراب العلم

 

وُلدت عبلة الكحلاوي عام 1948 في بيت يملأه الفن، فهي ابنة الفنان الكبير محمد الكحلاوي. ورغم الشهرة المحيطة بالأسرة، اختارت طريقًا مختلفًا، فكان شغفها بالعلوم الدينية دافعًا لدراسة الشريعة بجامعة الأزهر، ثم التعمق في الفقه الإسلامي، لتبدأ بعد تخرجها مسيرة أكاديمية حافلة في جامعة القاهرة وجامعة أم القرى بمكة المكرمة.

 

استطاعت منذ بدايتها أن تمزج بين الدقة العلمية وأسلوب الإقناع، وأن تقدّم الفقه بعيدًا عن التعقيد، خصوصًا فيما يتعلق بقضايا المرأة والأسرة.

 

أسلوب دعوي شكّل هوية

 

لم تكن عبلة الكحلاوي داعية تقليدية، بل أسست مدرسة خاصة تقوم على ثلاثة مبادئ أساسية:

 

اللطف في الخطاب مهما كانت القضايا حساسة.

 

تقديم الرحمة قبل الوعظ.

 

إيصال الدين بلغة الحميمية والإنسانية.

 

كان صوتها، بنبرته المطمئنة، أحد أهم أسباب انتشارها؛ إذ اعتاد الجمهور متابعتها في البرامج الدينية اليومية خلال شهر رمضان، حيث قدّمت خطابًا بعيدًا عن التشدد، ومبنيًا على الحب والتقرب إلى الله بإخلاص لا يخلو من الدفء الإنساني.

 

“الباقيات الصالحات”.. خدمة إنسانية لا تنطفئ

 

على الجانب الإنساني، رسخت عبلة الكحلاوي حضورها من خلال تأسيس مؤسسة “الباقيات الصالحات”، التي سرعان ما توسعت لتصبح من أهم المؤسسات الخيرية في مصر.

شملت أنشطتها:

 

إنشاء دور لرعاية المسنين.

 

تقديم خدمات طبية مجانية للأسر غير القادرة.

 

كفالة الأيتام.

 

دعم السيدات المعيلات.

 

تقديم قوافل طبية وخدمية للمناطق الفقيرة.

 

ورغم حجم المؤسسة، كانت الكحلاوي حريصة على متابعة التفاصيل بنفسها، وتؤكد دائمًا: “أجمل ما في الخير أنه يصل إلى الناس دون انتظار مقابل.”

 

قضايا المرأة في قلب رسالتها

 

عرفت الدكتورة عبلة الكحلاوي بجرأتها في طرح قضايا المرأة المسلمة، مقدمة خطابًا وسطيًا يحترم الشريعة لكنه لا يغفل الجانب الإنساني.

كانت تدافع عن حقوق المرأة، وتمنحها مساحة للفهم والتصالح مع ذاتها، وتواجه قضايا الطلاق، العنف، العلاقة الزوجية، وتربية الأبناء بمنهج واقعي لا يتعالى على الظروف الاجتماعية.

 

وفاة هزّت الشارع المصري

 

في يناير 2021، رحلت الدكتورة عبلة الكحلاوي عن عمر ناهز 72 عامًا، بعد إصابتها بفيروس كورونا. جاء رحيلها مفاجئًا وأحدث حالة حداد واسعة في المجتمع المصري والعربي، فقد شعر الجمهور بأنهم فقدوا أمًّا روحية قبل أن يفقدوا داعية.

 

امتلأت مواقع التواصل برسائل النعي والدعاء، وأشاد الجميع بإنسانيتها وبسيرتها الناصعة التي امتدت في القلوب قبل الشاشات.

 

إرث يتجاوز الزمن

 

رغم رحيلها، ما تزال أعمال عبلة الكحلاوي قائمة من خلال مؤسستها، وطلابها، ومئات الساعات من الدروس والمحاضرات. كما يتواصل تأثيرها على الأجيال الجديدة من الداعيات اللاتي يعتبرنها نموذجًا يُحتذى به في الجمع بين العلم والخير.

 

لقد أثبتت أن الدعوة ليست مجرد خطاب بل هي فعل، وأن القرب من الله يُترجم في القرب من الناس. هكذا صنعت اسمها، وهكذا بقيت سيرتها خالدة.

شاهد أيضاً

ردّ الاعتبار… عودة العدالة التي تُعيد للمواطن ثقته في القانون

كتب مصطفى قطب في مجتمعٍ لا يكتمل استقراره دون عدالة ناجزة، يبرز مفهوم ردّ الاعتبار …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *