بقلم : د. محمد جمال الدين
لا يمكن الحديث عن مسرح الطفل بمعزل عن دوره التكويني في بناء وعي الطفل، فهو ليس مجرد وسيلة ترفيه، بل هو مختبر حقيقي لتشكيل الوجدان، وتنمية الخيال، وغرس القيم، وفي خضم هذا المشهد، تبرز أعمال المخرج أ. د. حسام عطا، ليس فقط كمخرج متخصص في مسرح الطفل، بل كفيلسوف يرى في خشبة المسرح ميدانًا للمعرفة والتساؤل، فمن خلال أعماله المسرحية للأطفال يرفع د. حسام عطا مسرح الطفل من مجرد قصة بسيطة إلى تجربة فنية عميقة، تُقدم للطفل أسئلة وجودية وفلسفية مغلفة بحكايات شيقة وشخصيات محببة
حظي أ. د. حسام عطا بتكريمه ضمن مكرمي مهرجان عروض شرائح ونوادي مسرح الطفل، الذى تقييمه الهيئة العامة لقصور الثقافة، من خلال الإدارة العامة للدراسات والبحوث، وتحمل هذه الدورة اسم الكاتب الكبير يعقوب الشاروني أحد أهم رواد مسرح الطفل في مصر والوطن العربي، وهذا التكريم الذي حظي به د. حسام عطا في هذه الدورة ليس إلا اعترافًا مستحقًا بمسيرة فنية وفكرية أسست لجماليات جديدة في مسرح الطفل المصري، إذ تجاوزت فلسفته الإخراجية المألوف، وهو ما ينعكس بوضوح على منهجه الإخراجية، فهو لا يتعامل مع النص كسيناريو جاهز، بل كبنية حية قابلة للتشكيل التأويل، كما تتميز أعماله بعمقها الفلسفي الذي يتسلل إلى النص البسيط، ليمنحه أبعادًا رمزية، فالدكتور حسام عطا لا يكتفي بعرض القصة، بل يسعى إلى استنطاقها، وإبراز ما وراءها من قيم ومعانٍ.
ويُعد أ.د حسام عطا أحد أهم أساتذة الدراما والنقد المسرحي، بالمعهد العالي للفنون المسرحية – أكاديمية الفنون، وهو صاحب خبرة طويلة ومميزة ورائدة في مجال مسرح الطفل المصري، كما تعكس أساليب إخراجه رؤية عميقة لمسرح الطفل، تجمع بين الجانب الفني والتربوي، مع التركيز على خصوصية الجمهور المستهدف، ومن أبرز أعماله التي توضح أساليبه الجمالية الإخراجية، مسرحية (البئر العجيب) (1988)، مستوحاه من أحد قصص التراث عند (يعقوب الشارونى)، إنتاج المركز القومي لثقافة الطفل، وقد حصلت على جائزة أحسن عرض مسرحي أجنبي، في مهرجان (بوردو) الدولي لمسرح الأطفال فى (فرنسا) عام (1990)، وأفضل إخراج مسرحى، وهذه المسرحية تعد نموذجًا لأسلوبه في توظيف التراث والجودة الفنية والتربوية، وكذلك إخراجه عرض (أسد وأرنب) (1987)، وهو من أوائل أعماله الإخراجية، والتي لاقت إشادة كبيرة فى ذلك الوقت .
تتميز أعمال د.حسام عطا الإخراجية في مسرح الطفل المصري، بمنهجية فنية وتربوية عميقة، تعكس خبرته الأكاديمية والعملية الطويلة في هذا المجال، كأستاذ للدراما والنقد المسرحي بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ومخرج له باع طويل في مسرح الطفل، ويتضح من أعماله فى مسرح الطفل اهتمامه بالمنهج التربوي والتعليمي المتجذر، إذ ينظر إلى مسرح الطفل كأداة قوية وفعالة في بناء شخصية الطفل وتنمية وعيه، ولا يقتصر هدفه على الترفيه، بل يتجاوزه إلى غرس القيم الأخلاقية، والإجتماعية، والوطنية، وتنمية الوعي الثقافي، كما أن الرسالة فى أعمال د.حسام عطا غير المباشرة، إذ يحرص على تقديم هذه الرسائل والقيم بطريقة فنية غير مباشرة، ممتعة وجذابة، بعيدًا عن التلقين أو الوعظ المباشر الذي قد يُنفر الطفل، كما يعتمد على قوة الدراما والشخصيات والمواقف في إيصال المعنى.
يرى د. حسام عطا أن المسرح كوسيلة معرفية وسيلة لتعليم الأطفال مفاهيم جديدة، سواء كانت ثقافية، أو تاريخية، أو حتى علمية، ولكن بأسلوب مبسط ومناسب لمداركهم، كما يهتم فى مسرحه بالتفاعل والمشاركة كركيزة أساسية، إذ يُعد د. حسام عطا من أبرز الدعاة لتطبيق مفهوم المسرح التفاعلي في عروض الأطفال، ويحرص على كسر الحاجز الرابع بين الممثل والجمهور، ويشجع الأطفال على المشاركة الصوتية، أو الحركية، أو حتى العاطفية في مجريات العرض، مع تعزيز الإنتباه والتركيز، كما يدرك د.حسام عطا أن هذا التفاعل يهدف إلى إبقاء الطفل في حالة يقظة وانتباه مستمر، مما يعمق تجربته المسرحية ويجعلها أكثر تأثيرًا وترسيخًا للرسائل المقدمة، مع إيمانه التام بتنمية حس المبادرة من خلال تشجيع مشاركة الأطفال على التعبير عن آرائهم، وتنمية حس المبادرة والثقة بالنفس.
يحرص أيضًا المخرج د.حسام عطا على إستلهام التراث والفولكلور والهوية المصرية، وذلك من خلال ربط الطفل بهويته، حيث يُولي د.حسام عطا أهمية كبرى لتقديم أعمال تستلهم التراث المصري والعربي، سواء من الحكايات الشعبية، أو من الأغاني الفولكلورية، أو الألعاب التقليدية، وهذا النهج يهدف إلى ربط الطفل بجذوره الثقافية والتاريخية، وتعزيز إنتمائه لهويته الوطنية، كما يقدم د.حسام عطا التراث بشكل عصرى، وليس بشكل جامد، حيث يعمل على إعادة صياغته، وتقديمه في قالب عصري ومبتكر، يراعي اهتمامات الطفل المعاصر ويجذبه.
تُعد مسرحية (البئر العجيب)، التي أنتجها المركز القومي لثقافة الطفل عام (1988)، أحد العلامات الفارقة في مسرح الطفل المصرى، وقد أكد نجاحها فوزها بجائزة أفضل عرض مسرحي أجنبي للأطفال في مهرجان (بوردو) الدولي لمسرح الأطفال فى (فرنسا) عام (1990)، وكذلك أفضل إخراج، وهو ما يدل على فعالية وعمق الأساليب الإخراجية عند المخرج د.حسام عطا .
تتمحور معالم المنهج الإخراجى عند د . حسام عطا فى تلك المسرحية، فى عدة محاور رئيسة، منها الإندماج العميق مع عناصر التراث والفولكلور، إذ يُظهر إخراج د.حسام عطا إلتزامًا قويًا بربط الطفل بجذوره الثقافية، حيث أن المادة المصدرية التى تستمد المسرحية، أحداثها منها مستمدة من الفولكلور العربي الغني، وحكايات (ألف ليلة وليلة)، مما يرسخها فورًا في إرث ثقافي حيوي، وقد هدف نهج المخرج د.حسام عطا الإخراجي إلى الحفاظ على جوهر هذه القصص التقليدية، مع تكييفها لتكون مفهومة وممتعة للأطفال.
عكست الرؤية الإخراجية عند المخرج د.حسام عطا الإرتباط بالتراث في الجماليات البصرية للمسرحية، خاصة فى الأزياء وتصميمات الديكور، التي تستحضر الأجواء العربية التقليدية، وهو ما يظهر أيضًا في العناصر الموسيقية، التي تضمنت ألحانًا فولكلورية و آلات تقليدية، كما أن اللغة رغم تبسيطها، حافظت على سحرها الكلاسيكي، مع عدم إغفال الإطار الأخلاقي إذ أن الحكايات الشعبية مادة خصبة لتقديم دروسًا أخلاقية قوية، وقد أكد إخراج د.حسام عطا ببراعة على هذه الأبعاد الأخلاقية، جاعلاً إياها واضحة ومؤثرة للأطفال، دون أن تكون تلقينية بشكل صريح، إذ يدرك المخرج د.حسام عطا ميل الأطفال القوي للعناصر البصرية، لذا فقد أولى المخرج د.حسام عطا الأولوية لخلق تجربة بصرية غامرة وجذابة، وذلك من خلال السينوغرافيا النابضة بالحياة، إذ إن التمثيل البصري للبئر نفسه والعالم المحيط به كان ذا أهمية قصوى، وقد تضمن إخراج د.حسام عطا استخدام ألوان نابضة بالحياة، وتصميمات ديكور مبتكرة، والعديد من العناصر السحرية أو التحويلية لخلق شعور بالدهشة والسحر، مع إهتمامه بالإضاءة والمؤثرات نظرًا للطابع الخيالي للمسرحية، حيث كان هناك استخدام ذكي للإضاءة للدلالة على التغيرات في المزاج، أو الوقت، أو الأحداث السحرية، وقد تم توظيف المؤثرات الخاصة لتعزيز الجانب (العجيب) في السرد، كما تم تصميم الأزياء لتكون جذابة بصريًا، ومميزة لكل شخصية، وربما مبالغ فيها قليلاً لجذب خيال الأطفال.
يركز نهج المخرج د.حسام عطا على جعل الأداء حيويًا وتفاعليًا، للحفاظ على انتباه الأطفال، كما اعتمد أيضًا على التكوينات المسرحية الواضحة لإيصال المشاعر والحبكة، لذا فالممثلين فى هذا العرض تبنوا أسلوب أداء حيويًا ونشيطًا، مما جعل السرد متاحًا حتى للأطفال الصغار جدًا، كما تم توجيه الممثلين لإستخدام أصوات واضحة ومعبرة، ونغمات متنوعة، وتعبيرات وجه مبالغ فيها، لتعزيز تجسيد الشخصيات والتأثير العاطفي، مما يضمن فهم كل الفروق الدقيقة، بالإضافة إلى أن إيقاع العرض كان سريعًا وجذابًا، مع لحظات من الإثارة والتشويق، تتخللها لحظات أكثر هدوءًا للتأمل أو الغناء، وكل ذلك تمت إدارته من المخرج بعناية، للحفاظ على فترات إنتباه الأطفال القصيرة نسبيًا.
تُعد الموسيقى أداة قوية في مسرح الأطفال، وقد استخدمها المخرج د.حسام عطا بفعالية، ليس فقط للترفيه، بل لدفع الحبكة إلى الأمام، ونقل مشاعر الشخصيات، أو تلخيص الدروس المستفادة بإيجاز، كما كانت الأغاني جذابة وسهلة الحفظ، مما يشجع الأطفال على الغناء أو تذكرها بعد العرض بوقت طويل، وقد أضافت فقرات الإستعراضات طبقة أخرى من الجاذبية البصرية والطاقة، مما جعل الأداء أكثر ديناميكية وإحتفالية .
تماشيًا مع فلسفته العامة لمسرح الطفل، حمل عرض (البئر العجيب) عدة رسائل أخلاقية، وقد نجح المخرج د.حسام عطا فى دمج هذه الرسائل بسلاسة في الأحداث، مما جعلها مؤثرة دون اللجوء إلى الوعظ الصريح، مما سمح للأطفال بمتابعة رحلة الشخصيات وفهم عملية التغلب على التحديات، وتعزيز الشعور بالمرونة.
يُعد التكريم الدولي الذي حظيت به مسرحية (البئر العجيب) دليلًا قويًا على الجودة الشاملة للإنتاج، حيث جاء التنفيذ بشكل دقيق لجميع عناصر متماسك، وهو ما يشير إلى التخطيط الدقيق، والبروفات المكثفة، والإهتمام بالتفاصيل في كل جانب من جوانب الأداء، من أصغر دعامة إلى أكبر قطعة ديكور، ويؤكد تأكيده على العناية بعمله، والهدوء، والثقة، وتوفير المناخ المناسب، والإنتاج الثقافي الداعم لهذه المسرحية على هذا التفاني في التميز.
تأسيسًا لما سبق يتضح أن إخراج د.حسام عطا لمسرحية (البئر العجيب) لمثال بارع، في صياغة تجربة مسرحية للأطفال ساحرة بصريًا، وغنية موسيقيًا، وجذابة سرديًا، متجذرة ثقافيًا، ومُفيدة بشكل كبير، فقد نجحت في مزج الترفيه بقيم تعليمية عميقة، مما ضمن تفاعل المسرحية بعمق مع الجمهور الصغير وحصدت إشادة دولية مستحقة.
وتتسم أعمال المخرج د. حسام عطا فى مسرح الطفل بشكل عام، بالعديد من الجماليات فى أساليبه الإخراجية، إذ يُعد المخرج د. حسام عطا من المخرجين الذين يؤمنون بأهمية المسرح التفاعلي في عروض الأطفال، إذ يهدف إلى جعل الطفل ليس مجرد متلقٍ، بل مشاركًا فاعلاً في الأحداث، وهذا الأسلوب يعزز من انتباه الطفل، ويجعله جزءًا من التجربة، مما يزيد من تأثير الرسائل المقدمة، كما يولي المخرج د.حسام عطا أهمية لإستلهام الموروث والفولكلور المصري والعربي في أعماله، حيث يهدف إلى تقديم تجربة فنية للأطفال تعبر عن وجدان المسرح المصري، وتتضمن بعض الأغاني والألعاب الشعبية، وهو بدوره يعزز من هوية الطفل، وارتباطه بتراثه الثقافي، كما فى عرضه (البئر العجيب) للكاتب يعقوب الشاروني، والتي حازت على جوائز دولية، مع تركيزه على الجانب التربوي والقيمي مثل العديد من رواد مسرح الطفل، إذ يرى المخرج د.حسام عطا أن مسرح الطفل يجب أن يحمل رسائل تربوية وهادفة، ويسعى كذلك إلى غرس القيم الإيجابية والأخلاقية في نفوس الأطفال بطريقة غير مباشرة وممتعة، ويظهر ذلك في اهتمامه بالنصوص التي تتناول مواضيع مثل الصراع بين الخير والشر، وأهمية التمسك بالقيم والعادات والتقاليد، والحفاظ على الهوية الوطنية.
يعتمد المخرج د.حسام عطا أيضًا على استخدام لغة مسرحية مبسطة وواضحة تناسب فهم الأطفال، مع توظيف كل عناصر الإبهار البصري والسمعي لجذب انتباههم، وتتضمن عروضه غالبًا عناصر غنائية واستعراضية، مما يضيف حيوية ومرحًا للعرض، ويجعله أكثر جاذبية للجمهور الصغير، كما استخدام دراسات في علم النفس والإدراك في قائمة الألفاظ، لكي يكون مدرك للمرحلة العمرية التي يخاطبها، مما يؤكد على فهمه العميق لخصائص جمهور الطفل، كما يشير تاريخ المخرج د.حسام عطا المهني إلى تعاونه مع كبار كُتاب أدب الطفل، وعلى رأسهم يعقوب الشاروني، وهذا التعاون ضمن وجود نصوص مسرحية قوية، ومناسبة للطفل من الناحية الدرامية واللغوية، كما لا يمكن إغفال إهتمام د.حسام عطا بالجودة الإنتاجية والتفاصيل الدقيقة، فمن خلال إخراجه مسرحية (البئر العجيب)، يتضح اهتمامه الكبير بالجودة الإنتاجية، وتوفير المناخ المناسب للعمل، وهو ما يعكس احترافيته، وحرصه على تقديم عمل متكامل، بالإضافة إلى حرص المخرج د.حسام عطا على ضم كبار النجوم ذوي الخبرة في أعماله، إلى جانب الطاقات الشابة، وهذا المزيج يثري العرض، ويضمن مستوى أداء عالٍ.
وعليه فإن المخرج د.حسام عطا يتبنى منهجًا إخراجيًا في مسرح الطفل المصري، يتسم بالإحترافية والتفاعل والإعتماد على التراث، مع التركيز على القيمة التربوية، وتقديم عروض مبهجة وجذابة للطفل المصري، إذ يرى المسرح أداة قوية لبناء الوعي وتنمية الخيال لدى الأطفال، وعليه فإن د.حسام عطا يقدم رؤية متكاملة لمسرح الطفل، تتجاوز حدود الترفيه لتكون أداة فعالة في التنمية الشاملة للطفل، إذ تتميز أعماله بالإحترافية العالية، والعمق التربوي، والقدرة على المزج بين التراث والمعاصرة، وتوظيف الإبهار البصري والسمعي، والأهم من ذلك إشراك الطفل بفاعلية في التجربة المسرحية، إذ يعتبر مسرحه مختبرًا لتنمية الوعي، والخيال، والقيم في نفوس الأجيال الجديدة.
لذا جاء تكريم د. حسام عطا كتتويج وإحتفاء بمسيرة فنية وأكاديمية فريدة، آمنت بأن مسرح الطفل ليس مسرحًا صغيرًا، بل هو مسرح عظيم، يحمل على عاتقه مسؤولية بناء الإنسان، فمن خلال أعماله، وخاصة مسرحية البئر العجيب،استطاع د. حسام عطا أن يجمع بين المتعة البصرية والعمق الفكري، مُقدمًا للطفل تجربة مسرحية لا تُنسى، تُعلمه كيف يفكر، لا بماذا يفكر، فالبئر العجيب في مسرح د. حسام عطا ليس سوى الحياة، والحكمة تكمن في أن نكتشف أن ما نحصل عليه منها ليس سحرًا خارجيًا، بل هو انعكاس لما نُقدمه لها من نوايا وأعمال.
هذا هو عطاء د. حسام عطا، وفلسفته الباقية التي ستظل تُنير دروب أجيال من الأطفال.