بقلم : د. محمد جمال الدين
إنّ المؤسسات التعليمية الكبرى ليست مجرد مبانٍ تُلقن فيها الدروس، بل هي مصانع للروح والهوية، وحواضن للأمجاد الوطنية، ويقف الأزهر الشريف شامخًا في طليعة هذه المؤسسات، فهو منارة العلم والدين، وهو أيضًا حارس الذاكرة الوطنية التي تحفظ للأمة رموزها وتضحياتها، وفي هذا السياق المفعم بالعطاء والولاء، يبرز معهد الأشراف الابتدائي النموذجي الأزهري كنموذج حي يجسد فلسفة التعليم الأزهري الشاملة، التي لا تفصل بين التحصيل الأكاديمي وغرس القيم الوطنية والتربوية، فبينما يضيء المعهد دروب طلابه بأحدث وسائل التعليم، نراه يغرس في نفوسهم عظمة التاريخ عبر الإحتفال بذكرى انتصارات السادس من أكتوبر المجيدة، محولاً الذكرى إلى درس عملي في الفداء والعزة.
إن الاحتفال بانتصار أكتوبر في أروقة معهد الأشراف ليس مجرد احتفال سنوي عابر، بل هو فعل تربوي عميق يهدف إلى تشكيل الوعي الجمعي للتلاميذ من خلال تحويل الحدث التاريخي إلى مادة حية يستوعبها العقل والوجدان، حيث يصبح التلميذ شريكًا في إعادة إنتاج المشهد البطولي عبر أنامله البريئة، من خلال بعض الأنشطة التي قدمت داخل أروقة المعهد، وهو ما يؤكد على الذاكرة الوطنية .
إن معهد الأشراف بصفته نموذجًا ابتدائيًا أزهريًا في محافظة الجيزة، لا يكتفي بترسيخ الأصالة والقيم، بل يسعى نحو المعاصرة والريادة التعليمية، ويتجلى هذا التجديد في تطبيق فلسفة التعليم الأزهري الحديثة التي تدمج بين متانة المنهج الديني والعلمي وبين استخدام أحدث الوسائل التعليمية والأنشطة الإبداعية، فورش العمل والأنشطة الفكرية والتربوية، التي تقام تحت إشراف الأستاذة رانيا مصطفى عميدة المعهد للفترة الصباحية، وبمشاركة الأستاذ عمرو الزهري شيخ المعهد للفترة المسائية، تبرهن على أن المعهد يعتمد على التعلم التفاعلي والنشاط، إذ أن الأنشطة ليست مضيعة للوقت، بل هي أدوات تعليمية عصرية، لتنمية المهارات الحركية والدقيقة،
وتعزيز التعبير الفني والإبداعي، وترسيخ المفاهيم التاريخية بطريقة محببة للطفل، علاوة على بناء روح الفريق والتعاون بين الطلاب، وهذا المنهج المزدوج يضمن تخريج الإنسان القيمي قبل الأكاديمي، كما جاء في رؤية الأزهر، ليجمع الطالب بين علم الأزهر الرصين ووعي العصر الحديث.
إن نجاح معهد الأشراف النموذجي في تطبيق هذه الرؤية المتكاملة يعود إلى الدعم اللامحدود من قيادات الأزهر الشريف، التي تدرك أن التعليم هو استثمار في المستقبل، وتأتي هذه الأنشطة المباركة برعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب – شيخ الأزهر الشريف، ودعم فضيلة الأستاذ الدكتور محمد عبد الرحمن الضويني – وكيل الأزهر الشريف، وفضيلة الشيخ أيمن عبد الغني – رئيس قطاع المعاهد الأزهرية، كما تأتي بإشراف مباشر من فضيلة الشيخ أيمن عبود – رئيس الإدارة المركزية لمنطقة الجيزة الأزهرية، ومتابعة الأستاذ أيمن جاويش – الوكيل الثقافي للمنطقة، والأستاذة سوزان حلاوة – مدير التعليم النموذجي، والأستاذ عمر حسين – مدير إدارة الصديق التعليمية الأزهرية.
إن معهد الأشراف بما يقدمه من دمج بين نور الأخلاق الأزهري وفخر المجد الأكتوبري، وبما يتبناه من أدوات تعليمية عصرية، يثبت أن الأزهر الشريف يجدد رسالته بروح عصرية لا تُفقد الأصالة، ليظل المعهد منارة تربوية يُحتذى بها، تضيء الطريق لأجيال قادرة على قيادة المستقبل بـفكر أزهري وسطي مستنير وروح وطنية لا تلين، مؤكدة أن التعليم الحقيقي يبدأ من القلب ليُحرر العقل ويُعلي الهوية.