كتبت بوسي عواد
تتجدد الدعوة العالمية لاحترام كرامة الإنسان وإحياء المبادئ التي أرستها الأمم المتحدة قبل أكثر من سبعين عامًا في شهر ديسمبر، باعتبارها إطارًا جامعًا للقيم الإنسانية المشتركة التي تضمن الحقوق والحريات الأساسية دون تمييز. وفي مصر، لم يعد الاهتمام بحقوق الإنسان حبيس المناسبات الدولية أو الشعارات النظرية، بل أصبح جزءًا أصيلًا من مسار إصلاحي شامل تتبناه الدولة، ويتعزز عامًا بعد عام عبر تشريعات حديثة، وسياسات متوازنة، ومؤسسات تعمل بتناغم لتحقيق مجتمع أكثر عدالة وإنصافًا.
وشهد الملف الحقوقي المصري خلال السنوات الأخيرة تطورًا ملحوظًا، مدفوعًا بإرادة سياسية واضحة لإحداث توازن بين متطلبات الأمن والاستقرار من جهة، وصون الحقوق والحريات العامة من جهة أخرى. هذا التوجه انعكس في إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي مثّلت خريطة طريق شاملة تهدف إلى ترسيخ ثقافة الحقوق، وتعزيز سيادة القانون، ودعم الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وفي هذا السياق، يبرز الدور المحوري للمجلس القومي لحقوق الإنسان، باعتباره حلقة وصل فاعلة بين الدولة والمجتمع، ومؤسسة وطنية مستقلة تضطلع بدور رقابي واستشاري يسهم في تطوير السياسات الحقوقية. ويتحرك المجلس على أكثر من محور، من بينها رصد أوضاع حقوق الإنسان، وتلقي الشكاوى، وإعداد التقارير، وفتح قنوات الحوار مع مختلف الجهات المعنية، بما يعزز مناخ الثقة ويؤكد الشراكة في بناء منظومة حقوقية متكاملة.
من جانبه، أكد السفير فهمي فايد، الأمين العام السابق للمجلس القومي لحقوق الإنسان، أن الدولة المصرية تكثّف خطواتها لتعزيز احترام وحماية الحقوق والحريات، في إطار رؤية متسقة مع المعايير الدولية، وبما يراعي الخصوصية الوطنية ومتطلبات التنمية المستدامة. وأشار إلى أن ما تحقق على الأرض يعكس تحوّلًا من المعالجة الموسمية للملف الحقوقي إلى نهج مؤسسي مستدام، يقوم على الإصلاح التشريعي وبناء القدرات وتفعيل آليات المتابعة والمساءلة.
وأضاف أن تعزيز الحقوق والحريات لا ينفصل عن جهود الدولة في تحسين مستوى المعيشة، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية، ودعم الفئات الأولى بالرعاية، مؤكدًا أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تمثل ركيزة أساسية في مفهوم حقوق الإنسان الشامل. كما شدد على أهمية نشر الوعي الحقوقي داخل المجتمع، وترسيخ ثقافة احترام القانون، باعتبارهما ضمانة حقيقية لاستدامة أي تقدم يُحرز في هذا الملف.
وتواصل الحكومة، بالتوازي مع دور المجلس القومي لحقوق الإنسان، تنفيذ حزمة من السياسات والإجراءات التي تستهدف تطوير منظومة العدالة، وتحديث البنية التشريعية، وتحسين أوضاع مراكز الإصلاح والتأهيل، فضلًا عن تعزيز حرية الرأي والتعبير في إطار الدستور والقانون. وتأتي هذه الجهود في ظل متابعة وتقييم مستمرين، بما يضمن التوافق مع الالتزامات الدولية وتحقيق المصلحة الوطنية.
وفي ظل التحديات الإقليمية والدولية المتسارعة، تؤكد التجربة المصرية أن حقوق الإنسان ليست ملفًا منفصلًا عن مسار التنمية، بل عنصرًا أساسيًا في بناء دولة حديثة تقوم على العدالة والمواطنة وتكافؤ الفرص. ومع تجدد الاحتفاء العالمي بقيم الكرامة الإنسانية، تواصل مصر ترسيخ نهجها الإصلاحي، ساعية إلى تحويل المبادئ إلى ممارسات واقعية يشعر بها المواطن في حياته اليومية.
المحطة الإخبارية جريدة إليكترونية شاملة