الخميس , سبتمبر 4 2025

عروسة المولد.. سُكَّر يذوب في الذاكرة ويفوح بالحنين

كتبت بوسي عواد

تظل عروسة المولد إحدى أبرز المظاهر التراثية التي ارتبطت بوجدان المصريين عبر مئات السنين، فهي ليست مجرد حلوى تُباع في الأسواق مع قدوم المولد النبوي الشريف، بل رمز شعبي له جذور تاريخية عميقة، واحتفال يُعبّر عن البهجة التي يعيشها الناس في هذه المناسبة المباركة.

 

جذور تاريخية متجذّرة

 

اختلفت الروايات حول أصل عروسة المولد، فبعض المؤرخين يرجعونها إلى العصر الفاطمي، حين أراد الحكام إدخال البهجة على قلوب الشعب عبر المظاهر الاحتفالية، فكانوا يصنعون تماثيل صغيرة من السكر الملوّن على هيئة عروس للأطفال البنات، وحصان مزخرف للأطفال الذكور. ومع مرور الزمن، تحولت هذه العادة إلى جزء أصيل من الاحتفال الشعبي بالمولد النبوي الشريف.

 

أشكالها وتطورها

 

صُنعت عروسة المولد في بداياتها من السكر المذاب المصبوب في قوالب خشبية، ثم تُزيّن بأوراق ملونة وأشرطة زاهية. ومع التطور، ظهرت أشكال جديدة من العروسة مصنوعة من البلاستيك أو العجائن القابلة للتشكيل، لكنها لم تستطع أن تحل محل العروسة السكرية التي ما زالت تحظى بالمكانة الأبرز في ذاكرة المصريين.

 

كما اختلف حجمها وألوانها تبعًا للزمان والمكان، لكن روحها بقيت واحدة: رمزًا للبهجة والاحتفال.

 

لم تكن عروسة المولد مجرد حلوى للأطفال، بل تحوّلت إلى رمز اجتماعي يحمل معاني المودة. فكان الخاطب يُهدي عروسة المولد لمخطوبته كدليل على المحبة، بينما يهدي الآباء والأمهات العروسة لأبنائهم كتعبير عن الفرح بالمولد النبوي.

 

وارتبطت العروسة أيضًا بالأغاني الشعبية التي تغنّت بها الجدات والأمهات في ليالي المولد، لتصبح جزءًا من الثقافة الشعبية التي تجمع بين الدين والفرح والفن.

 

رغم التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية، ما زالت عروسة المولد تحتفظ بمكانتها في قلوب المصريين. فمع حلول المولد النبوي، تتزين الأسواق والمحلات بها، وتنتشر البهجة بين الأطفال والكبار، لتعيد للأذهان ذكريات الطفولة ودفء العادات المتوارثة.

 

حتى اليوم، لا يمكن أن يمر المولد النبوي دون أن يتجدد الحنين لعروسة السكر المزخرفة، فهي أيقونة خاصة لا تغيب عن طقوس المصريين في هذه المناسبة.

 

إن عروسة المولد ليست مجرد قطعة حلوى، بل هي رمز للفرح، وحكاية تراثية تربط الماضي بالحاضر. فهي تمثل احتفاءً شعبيًا بالمولد النبوي الشريف، وتُعيد إلى الأذهان معنى البهجة الجماعية التي يعيشها المصريون كل عام. ستظل هذه العادة شاهدًا على أن الاحتفال بالمولد في مصر لا يقتصر على الطقوس الدينية فحسب، بل يمتد ليعبر عن روح الشعب وذاكرته التي تحيا بالفرح والبساطة.

شاهد أيضاً

التعليم الأزهري .. استثمار في الدنيا والآخرة 895

بقلم / د. محمد جمال الدين أنعم الله على مصر نعمة عظيمة، وهي الأزهر الشريف، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *