الإثنين , أكتوبر 27 2025

جائزة علاء الجابر للإبداع المسرحي .. من الفكرة إلى الرسوخ

بقلم : د. محمد جمال الدين

في عالم تتنازع فيه الجوائز الثقافية بين البريق الإعلامي والجدوى الحقيقية، تبرز جائزة علاء الجابر للإبداع المسرحي كحالة استثنائية من النقاء الفكري والفني، ومثالٍ نادرٍ على التوازن بين الإبداع والمؤسسية، فمنذ انطلاقتها الأولى، لم تكن هذه الجائزة فعلاً احتفالياً عابراً أو مناسبة شكلية لإضاءة الأسماء، بل كانت مشروعًا متكاملًا ينهض على رؤية فلسفية عميقة قوامها الإيمان بأن الإبداع المسرحي هو البوصلة التي تهدي الوعي العربي نحو الجمال والحرية.

 

ومع توالي دوراتها حتى الدورة الخامسة المنتهية أمس، تكرس هذا اليقين بأن الجائزة لا تكبر في عدد المشاركات فحسب، بل في ثقة المبدعين بها، ووزنها الثقافي، ورسوخها في الوعي المسرحي العربي، إذ غدت هذه الجائزة اليوم أحد أهم المنابر التي تستعيد للمسرح العربي هيبته، وتعيد للجوائز معناها الحقيقي بوصفها مسؤولية معرفية وأخلاقية قبل أن تكون حدثًا إعلاميًا.

 

إن المتأمل في مسار جائزة علاء الجابر للإبداع المسرحي يلحظ بوضوح أن تطورها لم يكن وليد المصادفة، بل هو نتاج تخطيطٍ دؤوبٍ وفكرٍ مؤسسٍ يستند إلى فلسفة العمل الجاد والإيمان بأهمية التراكم الثقافي، فمنذ بدايتها، لم تنغلق الجائزة في دائرة محلية ضيقة، بل انفتحت على الفضاء العربي كله، مؤكدة أن المسرح العربي على اختلاف لغاته ولهجاته ومدارس، يجتمع في هدف واحد، وهوالإرتقاء بالإنسان من خلال الفن، وعليه جاءت فروع الجائزة الثلاثة المقال النقدي، والنص المسرحي الموجه للطفل، والنص المسرحي الموجه للكبار، لتشكل ثلاثية متكاملة تعكس وعي القائمين عليها بضرورة التوازن بين الفكر والإبداع والتربية الجمالية، فهي لا تبحث عن نصٍ جميل فحسب، بل عن رؤية مسرحية تفتح أفقًا جديدًا للفكر وللخيال، وفي المقابل يحتل المقال النقدي مكانة موازية، باعتباره ضمير المسرح ومرآته الفكرية التي تضيء النصوص وتكشف جمالياتها العميقة.

 

كرست هذه الجائزة لمقولة أن الثقة لا تُمنح بل تُكتسب، وهذه الجائزة اكتسبت ثقتها بجدارة، فكل دورة جديدة تأتي لتؤكد أن ما تحقق في السابقة لم يكن سوى خطوة أولى نحو الأفضل، ومع كل عام تتسع دوائر المشاركة وتزداد جودة النصوص المقدّمة، ويتسع نطاق الاهتمام بها على المستوى العربي، لتصبح محجًّا لكل صاحب قلم مسرحي حقيقي يبحث عن منصة عادلة ومحترمة.

 

وكما أعتقد يرجع ذلك إلى عدة أسباب جوهرية، لعل أبرزها الشفافية الصارمة في التحكيم، التي جعلت من الجائزة موضع تقدير واحترام واسع. فهنا لا مكان للمحاباة، ولا لتغليب الاعتبارات الشخصية، بل الكلمة العليا للإبداع فقط، علاوة على أن لجان التحكيم في كل دورة تضم نخبة من النقاد والأكاديميين والمسرحيين العرب، ممن يُشهد لهم بالخبرة والنزاهة الفكرية، ما يعزز الثقة في النتائج ويجعل الفوز بها شرفًا نابعًا من الاستحقاق لا من المصادفة.

 

يقف وراء هذا المشروع الرائد الدكتور علاء الجابر، الذي لم يكتف بدور المؤسس والراعي، بل حمل الجائزة كما يحمل الأب فكرته الأولى، يعتني بها ويرعاها حتى صارت كيانًا مؤسسيًا له بصمته البارزة في المشهد المسرحي العربي، وعليه فإن الجهود التي يبذلها الدكتور علاء الجابر وفريق عمله المخلص تُجسد أسمى معاني الإنضباط والتفاني والإيمان بالرسالة الثقافية، فقد أثبتت هذه الجائزة أن النجاح لا يصنعه التمويل أو الضجيج، بل تصنعه النية الصافية والرؤية الثاقبة والعمل الدؤوب.

شاهد أيضاً

وفد “رسالة السلام” يبحث مع رئيس قناة “التقدمية TV” في موريتانيا لنشر ثقافة التنوير والفكر المستنير

كتبت هدي العيسوي في إطار مشاركة مؤسسة رسالة السلام للأبحاث والتنوير في معرض نواكشوط الدولي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *