كتبت منةالله
وسط سكون مشعر عرفات وهيبة الركن الأعظم من مناسك الحج، يتجلى مسجد نمرة كواحد من أقدس المعالم الإسلامية وأكثرها حضورًا في وجدان المسلمين، حيث يُعد ثاني أكبر مسجد في منطقة مكة المكرمة بعد المسجد الحرام، ومسرحًا سنويًا لخطبة يوم عرفة التي يتابعها العالم الإسلامي بشغف وروحانية.
يرتبط مسجد نمرة ارتباطًا وثيقًا بخطبة الوداع التي ألقاها الرسول محمد ﷺ في حجة الوداع، مما أضفى على هذا الموضع قدسية خاصة، جعلت منه رمزًا تاريخيًا وروحيًا يتوافد إليه الحجاج في كل عام لأداء صلاتي الظهر والعصر جمعًا وقصرًا، اقتداءً بسنة الحبيب المصطفى.
وقد بُني المسجد في بداية العصر العباسي، تحديدًا في الموضع الذي وقف فيه النبي ﷺ يخاطب الأمة، ليرسّخ القيم الإسلامية الجامعة ويضع أسس العدالة والرحمة والمساواة بين البشر.
شهد المسجد في عهد الدولة السعودية، وتحديدًا في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود، أضخم عمليات التوسعة والتطوير. حيث بلغت تكلفة مشروع توسعة مسجد نمرة نحو 237 مليون ريال سعودي، ليغدو تحفة معمارية تمتد على مساحة تفوق 110 آلاف متر مربع، وتُضاف إليها ساحة مظللة خلفية بمساحة 8000 متر مربع.
يتسع المسجد لنحو 400 ألف مصلٍ، ويحتوي على ست مآذن بارتفاع 60 مترًا، وثلاث قباب ضخمة، وعشرة مداخل رئيسية بها 64 بابًا، كما زُوّد بغرفة للإذاعة الخارجية لنقل الخطبة وصلاتي الظهر والعصر مباشرة عبر الأقمار الصناعية إلى أنحاء العالم.
يقع مسجد نمرة على الحد الغربي لمشعر عرفات، ويمتد جزء منه إلى داخل وادي عرنة، وهو المكان الذي نهى النبي ﷺ عن الوقوف فيه يوم عرفة بقوله: “وقفتُ هاهنا، وعرفاتُ كلها موقف إلا بطن عرنة”. لذا، يُراعى في كل عام أن يكون الإمام والمصلون في الجزء الذي يقع ضمن حدود عرفات.
ويحرص مئات الآلاف من الحجاج على التوجه إلى المسجد في يوم عرفة، كما حدث اليوم السبت 15 يونيو، للاستماع إلى خطبة عرفات التي تُنقل بأكثر من 10 لغات وتُترجم إلى ملايين المسلمين حول العالم.
أكملت وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودية جميع استعداداتها لاستقبال حجاج بيت الله الحرام في مسجد نمرة، حيث تم فرش المسجد بـ سجاد فاخر يغطي مساحة 125 ألف متر مربع.
ومن أبرز المشاريع الحديثة:
تركيب 19 مظلة في الساحة الخلفية لتقليل حرارة الجو بمعدل 10 درجات.
تشغيل 117 مروحة ضبابية تعمل بشبكة ضخ مياه عالية الضغط، لخفض درجات الحرارة بمعدل 9 درجات.
يظل مسجد نمرة شاهدًا خالدًا على وحدة الأمة في يوم الحج الأكبر، حيث تتوحد القلوب والألسنة بالدعاء والابتهال في أعظم المواقف، تلبيةً لله واتباعًا لهدي نبيه الكريم.
فمن هنا، انطلقت خطبة رسول الله ﷺ التي أسّست لميثاق الإنسانية والرحمة، ومن هنا، لا يزال يتردد صدى التوحيد والإيمان، ليبقى مسجد نمرة علامة مضيئة في ذاكرة الحج ووجدان المسلمين.