كتبت خيريه غريب
في عالم يلهث وراء الوضوح ويسعى لكشف الأسرار، يبقى الغموض هو الحضور الذي لا يُرى ولكنه يُحس، لا يُفهم تمامًا ولكنه يُفتَن به. هو ذلك الظل الذي يُثير الفضول، ويترك خلفه أثرًا لا يُمحى في النفس.
الغموض ليس جهلًا، بل هو فن. هو القدرة على أن تُخفي أكثر مما تُظهر، أن تترك للخيال مساحة، وللقلوب رجفة، وللعقول تساؤلًا دائمًا. ما لا نفهمه تمامًا، ننجذب إليه أكثر، وربما نقدّسه، أو نخافه، أو نبحث فيه عن المعنى المفقود.
في عالم الأدب، يُعد الغموض من أهم أدوات الإثارة والإبداع. الروايات التي تزرع علامات الاستفهام أكثر مما تقدم الإجابات، تُبقي القارئ مشدودًا حتى السطر الأخير. أما في السينما والفن، فالغموض يمنح العمل عمقًا وبعدًا آخر، يجعل المتلقي يعيد النظر، ويقرأ المعنى بين السطور.
حتى في العلاقات الإنسانية، الغموض له وقع خاص. الشخص الغامض يجذب الانتباه، لا لأننا نعرفه، بل لأننا لا نعرفه بما يكفي. يفتح لنا أبواب التخمين والتوقع، ويضعنا أمام احتمالات متعددة. لكنه، في الوقت ذاته، قد يثير الشك أو القلق، إذا زاد عن حده أو فُهِم على نحو خاطئ.
الغموض لا يعني الكذب، ولا يُعادل الخداع. بل هو تلك المساحة غير المعلنة من الذات أو الأشياء التي تُغري الآخرين بالسعي نحوها، وتدفعهم لاكتشافها. إنه ما يمنح للحياة طعم المغامرة، وما يُبقي لرحلة المعرفة لذةً لا تنتهي.
يبقى الغموض جزءًا أساسيًا من نسيج الوجود. فمن دون غموض، قد تفقد الحياة دَهشتها، ويبهت بريقها، وتصبح المعرفة مجرّد أرقام وحقائق بلا روح. فلنُدرك أن في سحر الغموض ما يوقظ فينا جاذبية المجهول، ويعيد إلينا شغف السؤال، ومتعة الاكتشاف.