الأحد , أغسطس 10 2025

“القلم المغرور” .. رحلة في عالم أدوات عبده الزراع الهندسية

بقلم : د. محمد جمال الدين

في عالم الطفولة حيث تتشكل المفاهيم الأولى للحياة، وتترسخ القيم النبيلة، تأتي مسرحية “القلم المغرور” للمؤلف عبده الزراع كعمل فني تربوي يلامس عقول وقلوب الأطفال، إذ أن هذه المسرحية الغنائية الموجهة للأطفال من سن 8 إلى 12 سنة، لا تقدم مجرد حكاية مسلية، بل هي رحلة عميقة في أعماق النفس البشرية، وإن تجسدت في شخصيات أدوات هندسية، لتسلط الضوء على آفة الغرور وأهمية التعاون والتكامل بين الأفراد، من خلال بناء درامي محكم، وأهداف تربوية واضحة، وأساليب كتابية إبداعية، نجحت في ترك أثر طيب في نفوس المشاهدين الصغار، وتدعوهم للتفكير في قيمة كل فرد مهما بدا دوره بسيطًا.

 

تعتمد المسرحية على بنية درامية بسيطة ومباشرة، ترتكز على الصراع الرئيسي بين شخصية “القلم المغرور” وبقية أدوات الهندسة، والمسرحية مقسمة إلى مشهدين، وتضم شخصيات بشرية (فهمان، الأم، المدرس خلوصي)، وأخرى من أدوات الهندسة (القلم الرصاص، البرجل، المسطرة، الأستيكة، البراية)، بالإضافة إلى أدوات الكمبيوتر، وهذا التنوع في الشخصيات يثري النص ويخلق توازنًا بين الواقع والخيال.

 

تبدأ المسرحية باستعراض غنائي حيوي لأدوات المدرسة، حيث يعبر كل منها عن دوره وأهميته بشكل متناغم، ثم تتصاعد الأحداث عندما يرفض “القلم” أن تبريه “البراية”، معبرًا عن شعوره بالتفوق والغرور، وهنا يبدأ الصراع، حيث تحاول الأدوات الأخرى إقناع القلم بخطئه، مؤكدة على أنهم جميعًا متساوون ويكملون بعضهم البعض، ويصل الصراع إلى ذروته عندما يتحدى القلم أدواته الأخرى ويحاول القيام بمهامهم، فيفشل في رسم خط مستقيم أو دائرة منتظمة، ويحاول المسح بلا جدوى، وفي لحظة يأس وغضب، يضغط القلم على نفسه بقوة فينكسر سنه، ويتحول من كونه “الزعيم” إلى كائن ضعيف وعاجز، وهذا التحول الدرامي القوي يمثل نقطة التحول الأساسية في الأحداث .

 

تتمحور الأهداف التربوية للمسرحية حول عدة محاور رئيسة، منها قيمة التعاون والتكامل إذ أن الرسالة الأهم التي تسعى المسرحية لإيصالها هي أن العمل الجماعي والتعاون ضروريان لتحقيق الأهداف، وأن كل فرد له دوره الذي لا يقل أهمية عن دور الآخر، علاوة على نبذ الغرور والتكبر، من خلال شخصية القلم، تُظهر المسرحية النتائج السلبية للغرور، وكيف أنه يؤدي إلى العزلة والفشل، وتسلط المسرحية الضوء على تقبل النقد، إذ تبرز المسرحية أهمية تقبل الفرد لأخطائه والإعتراف بفشل محاولاته الفردية، وهناك دورة الحياة التي تأتي على لسان “الأستيكة”، إذ تقدم المسرحية مفهومًا فلسفيًا مبسطًا للأطفال حول “سنة الحياة”، وأن الأدوات تفنى ليحل محلها غيرها، تمامًا كالقلم الذي يخلص بعد أن يبريه فهمان.

 

تستخدم المسرحية الأغاني والإستعراضات الحركية لجذب انتباه الأطفال، مما يجعل الرسالة تصل إليهم بطريقة ممتعة ومؤثرة، كما أن استخدام الشخصيات غير البشرية يطلق العنان لخيال الطفل، ويجعله يتعاطف مع هذه الأدوات ويستوعب الرسائل التي تحملها.

 

يعتمد المؤلف عبده الزراع على أساليب كتابية إبداعية متعددة في هذه المسرحية، مثل الحوار الغنائي، إذ تبرز المسرحية براعة المؤلف في كتابة الأغاني التي لا تقتصر على الترفيه، بل تحمل معاني عميقة وتدفع بالأحداث إلى الأمام، علاوة على التجسيد

(الأنثروبومورفيزم)، إذ يمنح المؤلف أدوات الهندسة صفات بشرية ومشاعر (الغرور، الغضب، الفرح، الحزن)، مما يسهل على الطفل فهمها والتعاطف معها، بالإضافة إلى الكوميديا الوقفية، إذ تستخدم المسرحية مواقف كوميدية، مثل فشل القلم في رسم خط مستقيم، مما يجعل النص خفيف الظل وقريبًا من الأطفال، وكل هذا بلغة مسرحية سهلة ومفهومة، تناسب الفئة العمرية المستهدفة، وتعتمد على المفردات اليومية التي يعرفها الأطفال.

 

وعليه فإن مسرحية “القلم المغرور” ليست مجرد مسرحية عابرة، بل هي عمل فني متكامل يجمع بين المتعة والفائدة، فمن خلال حكاية بسيطة عن أدوات مدرسية، ينجح عبده الزراع في تقديم درس عظيم عن التواضع وأهمية كل فرد في المجتمع، لذا فمسرحية القلم المغرور يمثل دعوة للتفكير في أن النجاح الحقيقي لا يكمن في التفوق الفردي، بل في قدرة الأفراد على العمل معًا، وأن الضعف الحقيقي يكمن في الغرور، والقوة الحقيقية تكمن في الاعتراف بقيمة الآخر، وعليه تعتبر هذه المسرحية نموذجًا مثاليًا لكيفية تقديم القيم الأخلاقية بطريقة فنية جذابة ومؤثرة، مما يضمن أن تظل رسالتها محفورة في ذاكرة الأجيال القادمة.

شاهد أيضاً

أكاديمية الفنون تحتفل بتألق طلابها في المهرجان القومي للمسرح المصري

كتب : محمد جمال الدين تتقدم الأستاذة الدكتورة غادة جبارة، رئيس أكاديمية الفنون، بأطيب التهاني …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *