كتب مصطفى قطب
تعيش فرنسا هذه الأيام حالة من القلق والذهول بعد سلسلة متتالية من السرقات الفنية الجريئة التي طالت رموزًا من تراثها الثقافي العريق، حيث لم يكد يهدأ صدى سرقة متحف اللوفر التي تجاوزت قيمتها 102 مليون دولار، حتى فوجئ الشارع الفرنسي بسرقة جديدة استهدفت متحف “لا ميزون دي لوميير دينيس ديدرو” شمال شرق البلاد، ما أثار التساؤلات حول مدى تأمين كنوز الفن الفرنسي في مواجهة عصابات منظمة تتربص بثروات التاريخ.
السرقة الأخيرة جاءت كصفعة جديدة لعالم الفن، بعدما تمكن اللصوص من اقتحام المتحف أثناء إغلاقه وسرقة مجموعة نادرة من العملات الذهبية والفضية تعود إلى قرون مضت، وهي قطع أثرية ثمينة تم اكتشافها عام 2011 وتُعد من أهم المقتنيات الخاصة بمدينة “لانغري”. وعند وصول موظفي المتحف في صباح اليوم التالي، كانت الصدمة واضحة أمام آثار الاقتحام والفوضى التي خلّفها السارقون.
وفي بيان رسمي، أكدت بلدية المدينة أن “جزءًا من كنز المتحف” قد اختفى، مشيرةً إلى أن السلطات فتحت تحقيقًا موسعًا بمشاركة وحدات متخصصة في مكافحة سرقات الأعمال الفنية، وسط ترجيحات بأن الجريمة نفذتها عصابة محترفة تمتلك معرفة دقيقة بمكان عرض القطع وقيمتها السوقية.
تأتي هذه الحوادث لتعيد للأذهان موجة السرقات الفنية التي اجتاحت المتاحف الفرنسية في العقدين الماضيين، والتي طالت لوحات وأعمالًا تاريخية لا تُقدر بثمن. ويخشى خبراء الثقافة والفن أن تكون فرنسا أمام موجة جديدة من “حروب الفن”، حيث تتسابق العصابات الدولية على نهب الكنوز التي تزين المتاحف الفرنسية، خاصة مع ارتفاع أسعار التحف الفنية في السوق السوداء.
ويرى مراقبون أن هذه السرقات المتكررة تمثل تهديدًا مباشرًا لهوية فرنسا الثقافية، إذ تُعد البلاد موطنًا لأشهر المتاحف في العالم مثل اللوفر وأورسيه وفيرساي، ومركزًا لحفظ تاريخ الإنسانية عبر آلاف القطع الأثرية والفنية. كما تؤكد هذه الأحداث حاجة المؤسسات الثقافية الفرنسية إلى إعادة النظر في أنظمة الحماية والتأمين الرقمي للمقتنيات، خاصة في المتاحف الإقليمية التي لا تمتلك نفس قدرات الحماية المتوفرة في العاصمة باريس.
وتتزايد المطالبات الآن بتشديد الإجراءات الأمنية ووضع خطة وطنية لحماية التراث الفني، باعتباره أحد ركائز الاقتصاد الثقافي والسياحي الفرنسي، حيث تُدر المتاحف عائدات ضخمة وتستقطب ملايين الزوار سنويًا.
في المقابل، وصف خبراء الفن سرقة متحف “ديدرو” بأنها “صفعة أخلاقية وثقافية”، معتبرين أن ما يحدث ليس مجرد جريمة سرقة، بل اعتداء على الذاكرة الإنسانية نفسها. ومع تصاعد التحقيقات وتكثيف عمليات البحث، تبقى الأنظار معلقة على مدى قدرة فرنسا على استعادة ما سُرق، وحماية إرثها الذي طالما كان مصدر فخرها أمام العالم.
المحطة الإخبارية جريدة إليكترونية شاملة