الأربعاء , أغسطس 13 2025

صحابة النبي.. عبد الله بن رواحة.. شاعر السماء

كتب مصطفى قطب

في صفحات التاريخ الإسلامي، يسطع اسم الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة الأنصاري كنجم متلألئ جمع بين موهبة البيان وقوة الإيمان، وارتقى إلى مصاف الشهداء بعد أن نال الشرف الأعظم في غزوة مؤتة، حيث واجه الروم ببطولة خالدة. لم يكن عبد الله مجرد مقاتل في صفوف النبي ﷺ، بل كان شاعرًا مُلهمًا ينشد للحق وينافح بالكلمة كما بالسيف.

 

 نسبه ونشأته:

 

ينتمي عبد الله بن رواحة إلى قبيلة الخزرج، وهو من الأنصار الذين نصروا رسول الله ﷺ بعد هجرته إلى المدينة. أسلم مبكرًا، وكان من أوائل من بايعوا النبي في بيعة العقبة، ووقف إلى جانبه في كل المعارك والغزوات التي شهدها الإسلام في مراحله التأسيسية.

 

 الإيمان والتقوى:

 

كان عبد الله بن رواحة مثالًا يُحتذى في الورع والتقوى. كان زاهدًا في الدنيا، لا تستهويه الزينة ولا تغرّه الأطماع. روى ابن سعد في الطبقات أنه كان كثير البكاء من خشية الله، وكانت له مواقف مشهودة في الحث على الطاعة والنهي عن المنكر.

 

ومن كلماته الخالدة:

“أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أن أُكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة.”

 

شاعر النبي ﷺ:

عُرف عبد الله بأنه من شعراء النبي الثلاثة، إلى جانب حسان بن ثابت وكعب بن مالك. لكنه تميز بأن شعره كان سلاحًا في معارك الدعوة، يرد على هجاء الكفار، ويؤلف القصائد التي تلهب الحماسة في قلوب المؤمنين.

 

كان النبي ﷺ يحب سماع شعره، خاصة إذا استفتح به الغزوات، وقد قال فيه:

“وأما عبد الله بن رواحة، فإنه يقول الحق ويُرضي الرحمن.”

 

ومن أشعاره الشهيرة:

“يا هاشم الخير إن الله فضّلكمُ

على البرية فضلًا ما له غيرُ

إني تفرست فيك الخير أعرفهُ

فراسةً خالطت قلبي بها البصرُ”

 

القائد الشهيد في غزوة مؤتة:

 

في العام الثامن للهجرة، أرسل النبي ﷺ جيشًا إلى مؤتة لمواجهة جيش الروم، وعيّن قادة الجيش: زيد بن حارثة، ثم جعفر بن أبي طالب، ثم عبد الله بن رواحة إن قُتلا.

 

قاتل عبد الله بن رواحة بشجاعة نادرة، ورفض التراجع حين تردد البعض، وقال كلمته العظيمة:

 

“يا نفس إلا تُقتلي تموتي، هذا حمام الموت قد صليتِ، وما تمنيتِ فقد أعطيتِ.”

 

ثم حمل راية المسلمين بعد استشهاد جعفر وزيد، وقاتل حتى استشهد، ليكون أحد شهداء مؤتة الثلاثة الذين بكاهم رسول الله ﷺ وأثنى عليهم خيرًا.

 

 إرث خالد:

ترك عبد الله بن رواحة إرثًا من الشعر، ومثالًا خالدًا على الجمع بين الإبداع الأدبي والجهاد العملي. وهو من الصحابة القلائل الذين جمعوا بين القلم والسيف، وكان نموذجًا للشاب المسلم المثقف الذي يعيش لدينه ويضحي لأمته.

 

قال عنه عمر بن الخطاب:

“يرحم الله عبد الله بن رواحة، ما كان أطيب لسانه في الحق، وأشجع قلبه في الجهاد.”

 

يبقى عبد الله بن رواحة رمزًا خالدًا في ذاكرة الأمة، يُلهم الأجيال بكلماته كما يُلهب عزائمهم بمواقفه. شاعرٌ لا تلهيه القوافي عن ميادين الوغى، ومجاهدٌ لا تغريه الدنيا عن معارج الشهادة.

شاهد أيضاً

نساء في الاسلام.. سلمى بنت صخر.. سيدة قريش رضي الله عنها

كتب مصطفى قطب حين نبحث في سير العظماء، نكتشف أن خلف كل مجد نساء خلدهن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *