كتب مصطفى قطب
يُعد المتحف المصري الكبير واحدًا من أضخم المشروعات الثقافية والحضارية في القرن الحادي والعشرين، حيث يختصر بين جدرانه تاريخًا طموحًا امتد لقرابة مئة عام، حتى صار اليوم صرحًا عالميًا يليق بمكانة مصر كأرض الحضارة ومهد التاريخ.
تعود فكرة إنشاء متحف ضخم يضم الكنوز المصرية القديمة إلى أوائل القرن العشرين، عندما بدأ الحديث بين علماء الآثار والمسؤولين عن الحاجة لمكان يليق بحجم الاكتشافات التي تتزايد يومًا بعد يوم. فقد عانى المتحف المصري بالتحرير من محدودية المساحة، ولم يعد قادرًا على استيعاب مئات الآلاف من القطع الأثرية المكتشفة حديثًا.
وفي عام 2002، أطلقت الدولة المصرية مشروع إنشاء المتحف المصري الكبير في موقع استراتيجي على مقربة من أهرامات الجيزة، ليكون نافذة حضارية تطل على الماضي العريق وتفتح آفاق المستقبل. اختير الموقع بعناية ليجمع بين عبقرية المكان وروعة الزمان، بحيث يرى الزائر الأهرامات من داخل قاعات المتحف، في تواصل بصري فريد بين الماضي والحاضر.
بدأت مراحل الإنشاء بتصميم معماري عالمي اختير عبر مسابقة دولية شارك فيها عشرات المكاتب الاستشارية، وفاز به التصميم الذي يمزج بين الحداثة وروح الحضارة المصرية. تضمن المشروع إنشاء قاعات عرض ضخمة، مخازن متطورة لحفظ وصيانة الآثار، ومراكز أبحاث علمية متقدمة، إلى جانب قاعات مؤتمرات ومسرح ومناطق للأنشطة الثقافية والترفيهية.
ومن أبرز ما يميز المتحف أنه يضم ولأول مرة المجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون، التي تجاوزت خمسة آلاف قطعة، تعرض بشكل متكامل يتيح للزوار استكشاف حياة الملك الشاب بتفاصيلها. كما يحتوي المتحف على آلاف القطع التي لم تُعرض من قبل، مما يمنحه ميزة استثنائية في إثراء التجربة الثقافية للزائرين.
لم يكن المتحف مجرد مشروع إنشائي، بل هو نتاج رؤية استراتيجية جعلت منه مركزًا دوليًا للحضارة المصرية، حيث حصل على شهادات اعتماد في مجال الاستدامة البيئية بعد نجاحه في خفض الانبعاثات الكربونية، ليكون أول متحف في العالم يحقق هذا الإنجاز.
اليوم، يقف المتحف المصري الكبير شاهدًا على إصرار الدولة المصرية على الحفاظ على تراثها وإبرازه للعالم بأحدث الوسائل التكنولوجية. إنه ليس مجرد مكان للعرض، بل هو تجربة ثقافية شاملة تمزج بين العلم والفن والتاريخ، وتقدم للزائر رحلة استثنائية عبر الزمن.
وبافتتاحه المنتظر، يدخل المتحف المصري الكبير سجل أعظم المتاحف في العالم، ليصبح بوابة جديدة تعكس هوية مصر الحضارية، وتجذب ملايين الزوار من مختلف أنحاء العالم إلى أرض الكنانة.