كتبت بوسي عواد
في الحياة، لا يمر إنسان دون أن تلامس روحه جراح الألم، وتختبر أيامه لحظات الانكسار، وتضغط عليه الحياة حتى يظن أن لا مخرج. ولكن الحقيقة الكبرى التي تؤكدها التجارب والمواقف، هي أن الألم ليس عدوًّا، بل رسالة؛ وأنه لا ينبغي أن يعيدنا إلى الوراء، بل أن يجعلنا نتقدم إلى الأمام بثبات أقوى ورؤية أصفى.
في كثير من الأحيان، لا نتعلم أعمق دروسنا في أوقات السعادة، بل في أشد لحظات الألم. الألم يكشف لنا قوتنا الحقيقية، وينزع الأقنعة، ويدفعنا لإعادة النظر في أنفسنا، وفي علاقاتنا، وفي ما كنا نظنه أولويات.
الألم لا يأتي ليكسرنا، بل ليعيد بناءنا من جديد. هو المعلم الصامت الذي لا يرحم، لكنه يُخرج منّا نسخة أكثر نضجًا ووعيًا.
كم من عظيم لم يُولد من رحم الراحة، بل من رحم المحن؟
كم من إنجاز وُلد بعد انهيار؟
كم من نجاح انطلق من خيبة؟
إن من يصمد أمام الألم، لا يعود كما كان؛ بل يصبح أقوى. فالذي تعلم أن يسير وسط العاصفة، لا يخشاه المطر بعد ذلك.
ولذلك، فإن العودة إلى الوراء ليست خيارًا، لأن كل ألم يمر بنا يحمل في داخله فرصة دفينة لنمو جديد، ولانطلاقة مختلفة، فقط إن قررنا أن لا نستسلم.
التاريخ، والفن، والعلم، كل هذه الميادين امتلأت بقصص لأشخاص بدأوا من الألم.
منهم من فقد عزيزًا، ومنهم من عاش الفقر، ومنهم من تعرض للخذلان أو الإهانة. لكنهم لم يقفوا في مكان السقوط، بل جعلوا من أوجاعهم منطلقًا لحياة أكثر عمقًا وأثرًا.
إن الإرادة هي الفاصل الحقيقي، فليس الألم ما يصنع الفرق، بل كيف نتعامل معه.
خطوات للتقدم رغم الألم:
1. الاعتراف بالمشاعر: لا تنكر ألمك، ولا تهرب منه. واجهه بصدق، فالمواجهة أول مفاتيح الشفاء.
2. تعلم مما حدث: الألم يترك علامات، لكن الأذكى هو من يقرأ تلك العلامات ويفهمها.
3. حدد هدفك الجديد: لا تسمح للألم بأن يجعلك ثابتًا في الماضي. انظر للمستقبل وضع هدفًا جديدًا.
4. ابدأ بخطوة صغيرة: التغيير لا يحدث دفعة واحدة، بل بخطوات بسيطة متكررة.
5. أحط نفسك بالداعمين: اختر من حولك جيدًا، فمن يعزز الألم غير من يدفعك لتجاوزه.
تخيل أن الجرح الذي نزفك يومًا، هو نفس الجرح الذي سيصبح مصدر قوتك.
تخيل أن كل دمعة ذرفتها، ستصبح يومًا حافزًا لأمل شخص آخر.
حينها ستدرك أن الألم لم يكن عدوك، بل كان هديتك المقنعة.
الألم لا يعيدنا إلى الوراء، إلا إذا سمحنا له بذلك.
أما إذا واجهناه، وتعلمنا منه، وقررنا النهوض، فسنصبح ممن يصنعون من الجراح مجدًا، ومن الانكسار نهوضًا، ومن المحن أعظم انطلاقة.
لا تكره ألمك، بل اجعله يروي لك حكاية صعودك.