كتب مصطفى قطب
في زحام الدعوة السرية، وبين جبال مكة التي كانت تصرخ رفضًا للتوحيد، وُلدت قصة امرأة خلدها التاريخ الإسلامي، لا لأنها كانت أختًا لأعظم خلفاء المسلمين، بل لأنها كانت أول من فتح قلبه للإسلام في بيت عمر بن الخطاب، إنها فاطمة بنت الخطاب.
نسبها ونشأتها:
هي أميمة بنت هشام بن المغيرة، واشتهرت باسم فاطمة بنت الخطاب، أخت الخليفة الثاني عمر بن الخطاب من أبيه، وكانت تكبره سنًا. نشأت في مكة وسط بيتٍ قرشي عريق من بني عدي، لكنها لم تكن أسيرة التقاليد الوثنية، بل كانت تملك عقلًا ناضجًا وروحًا حرة دفعتها إلى البحث عن الحق.
الإسلام يطرق باب فاطمة:
أسلمت فاطمة وزوجها سعيد بن زيد -أحد العشرة المبشرين بالجنة- سرًا في بدايات الدعوة، وكانا من القلائل الذين اختاروا الإسلام رغم شراسة قريش، وظلوا يكتمون إيمانهم خوفًا من بطش المشركين، وخاصة من عمر بن الخطاب نفسه، الذي كان معروفًا بعدائه الشديد للمسلمين في بداياته.
لحظة المواجهة:
تُعد قصة إسلام عمر واحدة من أشهر القصص في السيرة النبوية، وكان لفاطمة فيها الدور المحوري. حين خرج عمر ذات يوم حاملًا سيفه قاصدًا قتل النبي ﷺ، أخبره أحدهم بأن أخته فاطمة وزوجها قد أسلما، فغضب وتوجه إلى بيتها.
فوجئ عمر بأخته تقرأ آيات من سورة طه، فضرب زوجها ثم صفعها، فسالت الدماء من وجهها، لكنها لم تتراجع، بل صرخت في وجهه بشجاعة:
“افعل ما شئت، فقد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله!”
كان لثباتها وإيمانها النقي أثر بالغ في قلب عمر، فطلب منها أن يقرأ ما كانت تقرأه، وكانت تلك بداية تحوّله من أشد أعداء الإسلام إلى أحد أعمدته.
من النساء المهاجرات:
بعد إسلام عمر، خفّت حدة اضطهاد قريش قليلاً، لكن فاطمة ظلت حريصة على المشاركة في كل ما يدعم الإسلام، فهاجرت مع زوجها إلى المدينة، وشهدت التحولات الكبرى في المجتمع الإسلامي الناشئ.
كانت من النساء الصابرات، الثابتات، المربيات، اللاتي شاركن في بناء الجيل الأول من الصحابة، دون ضجيج، ودون طلب للظهور، بل بالإخلاص والإيمان العميق.
شرف الصحبة والمكانة:
يكفي فاطمة بنت الخطاب شرفًا أنها كانت السبب في دخول أعظم الرجال في الإسلام، عمر بن الخطاب، الذي قال فيه النبي ﷺ:
“اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب.”
وقد استجاب الله دعوة نبيه، فكان الإسلام بعدها أكثر قوة ومنعة، وكل ذلك بدأ من بيت فاطمة الصغير، الذي كان منارة للحق في قلب مكة.
وفاتها وإرثها:
توفيت فاطمة بنت الخطاب في عهد الخليفة عمر أو بعده بفترة قصيرة، ويُقال إنها كانت من العابدات القانتات، لا تهدأ لسانها عن الذكر ولا قلبها عن الإيمان.
ورثت الأمة من سيرتها معاني عظيمة:
الشجاعة في مواجهة الظلم
الثبات على العقيدة
التأثير العميق دون ضجيج إعلامي
كيف تكون المرأة مفتاحًا لهداية الأمة
فاطمة بنت الخطاب لم تكن مجرد أخت لعمر، بل كانت “المقدمة” التي مهّدت لدخوله في الإسلام. كانت امرأة بمقام أمة، سطرت بدمها وصوتها وصبرها صفحة من أنصع صفحات التاريخ الإسلامي، لتكون نموذجًا لكل امرأة تبحث عن الحق، وتصونه بثبات وشرف.