كتبت بوسي عواد
في الثلاثين من يونيو عام 2013، خرج ملايين المصريين إلى الشوارع والميادين في مختلف أنحاء الجمهورية، في مشهد غير مسبوق في التاريخ الحديث، ليكتب الشعب المصري بدمائه وصوته فصلاً جديدًا من فصول النضال من أجل الحرية والهوية الوطنية، مطالبًا بإسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين الذي اعتبره كثيرون تهديدًا مباشرًا لمبادئ الدولة المدنية الحديثة.
كانت ثورة 30 يونيو بمثابة تصحيح لمسار ثورة 25 يناير، التي انطلقت في 2011 مطالبة بالعدالة والكرامة والحرية، غير أن ما أعقبها من اضطرابات سياسية وتمكين جماعة بعينها من مفاصل الدولة، شكّل تحديًا حقيقيًا للهوية المصرية الجامعة، وأثار قلقًا شعبيًا واسعًا من اختطاف الوطن لحساب مشروع عقائدي لا يعترف بالتعددية أو المواطنة.
بدأت بوادر الغضب الشعبي في التصاعد تدريجيًا بعد عام واحد فقط من تولي محمد مرسي رئاسة الجمهورية، وسط قرارات سياسية مثيرة للجدل، واستحواذ غير مسبوق للجماعة على مؤسسات الدولة، وتصاعد وتيرة الاستقطاب الديني والسياسي، إضافة إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية، والانفلات الأمني، وغياب الرؤية الشاملة لإدارة شؤون البلاد.
أطلق الشباب من حركة “تمرد” الشرارة الأولى، حين دعوا إلى جمع توقيعات لسحب الثقة من الرئيس، فاستجاب الملايين، وامتلأت الميادين بمشاهد حاشدة تؤكد أن شرعية الصندوق ليست مبررًا للبقاء إذا غابت شرعية الأداء.
وفي مشهد تاريخي، استجاب الجيش المصري بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي آنذاك، لنداء الشعب، وأعلن في الثالث من يوليو 2013 خارطة طريق انتقالية تضم جميع القوى الوطنية، تم بموجبها عزل مرسي، وتكليف رئيس المحكمة الدستورية بإدارة شؤون البلاد مؤقتًا، إلى حين تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة.
لقد كانت ثورة 30 يونيو لحظة فاصلة في التاريخ المصري، أثبت فيها الشعب أنه صاحب الكلمة العليا، وأنه قادر على تصحيح مسار الوطن متى شعر بالخطر على هويته وأمنه ومستقبله. ومنذ ذلك الحين، بدأت مصر مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي، وبناء المؤسسات، وإعادة رسم ملامح الدولة القوية الحديثة.
إن ثورة 30 يونيو لم تكن مجرد مظاهرات عابرة، بل كانت تعبيرًا صادقًا عن رفض الإقصاء والتطرف، وتأكيدًا على أن مصر ستبقى دولة تتسع للجميع، وتحكمها القوانين والدستور، لا الولاءات الضيقة أو الشعارات الدينية.