بقلم : د. محمد جمال الدين
يُعد الشاعر والكاتب المسرحي المصري أحمد سويلم قامة فنية وأدبية شامخة في سماء أدب الطفل العربي، وواحدًا من أبرز رواد مسرح الطفل الذين كرسوا جهودهم وإبداعهم لتقديم فن راقٍ وهادف يغذي عقول الأطفال ويهذب نفوسهم.
سويلم ليس مجرد كاتب، بل هو فيلسوف يرى في الطفل مستقبل الأمة، ومبدع يمتلك رؤية فريدة لفهم عالم الصغار بكل بساطته وتعقيداته، إذ تتجلى بصمته الواضحة في أعماله المسرحية التي لم تقتصر على التسلية فحسب، بل امتدت لتشمل غرس القيم والأخلاق، وتنمية الوعي، وتشجيع التفكير النقدي لدى النشء.
يتميز أسلوب أحمد سويلم في الكتابة لمسرح الطفل بقدرته الفائقة على المزج بين البساطة في اللغة والعمق في المعنى، فهو يدرك تمامًا أن مخاطبة الطفل تتطلب مفردات سهلة وواضحة، وجملًا قصيرة ومباشرة، ومع ذلك، لا يتنازل عن تقديم أفكار ومفاهيم جادة وهادفة.
يمتلك سويلم موهبة شعرية فذة تظهر جلية في نصوصه المسرحية الموجهة للأطفال، فهو يستخدم الشعر الحر أو الموزون ببراعة، مع الحفاظ على سهولة المفردات وإيقاعها الجذاب الذي يستسيغه الطفل، وهذه اللغة الشعرية تُضفي على النصوص رونقًا خاصًا، وتجعلها سهلة الحفظ والتلقي، كما أنها تنمي الحس الجمالي واللغوي لدى الأطفال، لذا نجد في مسرحياته الكثير من الأغاني والأناشيد التي تحمل في طياتها رسائل تربوية، وتساهم في إضفاء جو من البهجة والمرح على العرض.
وعلى الرغم من بساطة الشخصيات في مسرح الطفل عادة، إلا أن سويلم يمنحها أبعادًا نفسية وأخلاقية تجعلها أكثر من مجرد قوالب جامدة، فشخصياته غالبًا ما تمثل قيمًا أو مفاهيم معينة كالصدق، والشجاعة، والتعاون، والأنانية، لكنها ليست بالضرورة أحادية الجانب، فهو يصور الصراع الداخلي والخارجي للشخصيات بطريقة يفهمها الطفل، مما يساعده على فهم دوافع السلوك البشري.
يحرص سويلم على بناء حبكات درامية متينة وواضحة تتميز بالتسلسل المنطقي للأحداث، وتصاعد الإثارة، ونقطة الذروة، ثم الحل، ويبتعد عن التعقيد المفرط، ويركز على الصراعات الأساسية التي يمكن للطفل استيعابها ومتابعتها، كما يدمج سويلم الفكاهة الخفيفة والمواقف الطريفة في نصوصه لجذب انتباه الطفل والحفاظ على تركيزه، كما أنه يدرك أهمية العناصر البصرية في مسرح الطفل، ولذا يترك مساحات كافية في نصوصه للإخراج المسرحي لتوظيف الأزياء والديكورات والألوان والموسيقى لخلق عالم مسرحي متكامل ومبهج.
وعلى الرغم من بساطة اللغة، إلا أن سويلم لا يتردد في توظيف الرمزية والاسقاطات غير المباشرة التي تحمل رسائل أعمق يمكن أن يدركها الكبار، أو تترسخ في وعي الأطفال على المدى الطويل، وقد تكون هذه الرمزية في شخصية معينة، أو في حدث متكرر، أو في حوار بين الشخصيات، وكلها تخدم الهدف التربوي والفلسفي للكاتب.
تتجاوز أعمال أحمد سويلم مجرد التسلية إلى أن تكون منهاجًا تربويًا وفلسفيًا متكاملًا، يسعى إلى بناء شخصية الطفل وتكوين وعيه، إذ يُعتبر سويلم رائدًا في استخدام المسرح كأداة لغرس القيم الإيجابية والأخلاق الحميدة في نفوس الأطفال، فمسرحياته تزخر بالدروس المستفادة حول الصدق، والأمانة، والتعاون، وحب الوطن، واحترام الآخر، والشجاعة، والتسامح، إذ إنه يؤمن بأن المسرح يمكن أن يكون مدرسة حقيقية لتعليم الأطفال كيف يكونوا أعضاء فاعلين وإيجابيين في مجتمعاتهم.
يشجع سويلم الأطفال على تنمية خيالهم وقدراتهم الإبداعية من خلال المواقف غير المتوقعة والشخصيات الخيالية التي يبتكرها، فهو يرى أن الخيال هو مفتاح التفكير الحر والابتكار، وأن المسرح هو البيئة المثالية لتغذية هذا الجانب الهام من شخصية الطفل، كما يولي سويلم اهتمامًا كبيرًا للغة العربية السليمة والفصحى المبسطة، فهو يرى في مسرح الطفل وسيلة فعالة لتعزيز حب اللغة الأم في نفوس الصغار، وتقديمها لهم في قالب محبب وجذاب بعيدًا عن الجفاف والتكلف.
وعلى الرغم من الطابع الخيالي لبعض أعماله، إلا أن سويلم لا ينفصل عن قضايا الواقع والمجتمع، فهو يتناول قضايا مثل الحفاظ على البيئة، وأهمية العلم، ومخاطر التكنولوجيا، ونبذ العنف، ولكن بطريقة تتناسب مع إدراك الطفل وتساعده على فهم العالم من حوله، كما يؤمن سويلم بأن التعلم يجب أن يكون ممتعًا، لذا فهو يحرص على تقديم المعلومة والدرس الأخلاقي في إطار مسرحي شيق ومبهج، بعيدًا عن التلقين المباشر أو الخطابة، إذ أن الهدف عند سويلم هو أن يستمتع الطفل بالعرض وفي الوقت نفسه يتعلم ويستفيد.
وعليه فإن أحمد سويلم لم يكتب للمسرح فحسب، بل بنى جسورًا بين عالم الكبار وعالم الصغار، وقدم للأطفال نافذة يطلون منها على عالم القيم والأخلاق والمعرفة في قالب فني بديع، من خلال أسلوبه الفريد، الذي يجمع بين البساطة والعمق، وفلسفته التي ترتكز على بناء الإنسان الصغير، والتى جعلت منه رائدًا لا يُشق له غبار في مسرح الطفل العربي، إذ أن أعماله ليست مجرد نصوص تُعرض على خشبة المسرح، بل هي بذور تُزرع في عقول الأطفال وقلوبهم لتنبت أجيالًا واعية، مثقفة، وقادرة على بناء مستقبل أفضل،لذا يظل إرث أحمد سويلم حاضرًا وملهمًا لكل من يؤمن بقوة الفن في تشكيل الوجدان، ودوره في تنمية جيل المستقبل.