كتب مصطفى قطب
في صفحات التاريخ الإسلامي، تبرز أسماء نساء عُرفن بالتقوى والشجاعة، ومنهن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث، التي اشتهرت بلقب “الشهيدة الحية”، وأضحت رمزًا للمرأة المؤمنة العالمة والقارئة للقرآن.
أم ورقة كانت من نساء المدينة المنورة، وقد لُقبت بهذا اللقب النبوي لأنها كانت تتمنى الشهادة في سبيل الله، وتحلم بالاستشهاد منذ سماعها بفرائض الجهاد في الإسلام. قالت للنبي محمد ﷺ:
“يا رسول الله، ائذن لي في الجهاد معك أداوي الجرحى وأقوم على المرضى.”
لكن النبي وعدها بشهادة من نوع آخر قائلاً:
“قري في بيتك، فإن الله يرزقك الشهادة.”
كانت أم ورقة حافظة لكتاب الله، عالمة بالقرآن، حتى أن النبي ﷺ كان يزورها ويأمر أهل دارها أن يجعلوها إمامًا فيهم لصلاة الجماعة، وهو شرف لم يُمنح إلا لقلة من النساء في التاريخ الإسلامي.
وقد تحققت نبوءة النبي، إذ قُتلت أم ورقة غدرًا على يد خادمين لها طمعا في مالها، ليصدق فيها وصف الشهيدة الحية. حينما قُتلت قال النبي:
“قوموا فزوروا الشهيدة.”
عرفت أم ورقة بورعها وعلمها وحفظها للقرآن، وكانت قدوة في العبادة والالتزام، حتى باتت تُعرف في المدينة بين الصحابة بلقب الشهيدة رغم أنها لم تمت في ميدان المعركة، بل في بيتها.
تُجسد قصتها قيمة المرأة العالمة الحافظة لكتاب الله، والمجاهدة بقلبها ولسانها، وتظل سيرتها مصدر إلهام لكل النساء في الجمع بين العبادة والعلم والكرامة.