كتبت منة الله
في لحظة مأساوية تهزّ وجدان الفن العربي، دخلت الأيقونة اللبنانية الكبيرة فيروز في حالة من الحزن العميق والانهيار النفسي، عقب تلقيها نبأ وفاة نجلها ورفيق دربها الفني، الموسيقار زياد الرحباني، عن عمر ناهز الـ69 عامًا، إثر أزمة صحية مفاجئة.
ووفق ما أفادت به مصادر إعلامية لبنانية، فقد سادت حالة من القلق داخل منزل السيدة فيروز في بيروت، بعد تدهور حالتها الصحية تأثرًا بالصدمة، مما استدعى تدخل فريق طبي لرعايتها بشكل عاجل.
رحيل زياد لم يكن مجرد فقدان لابنٍ عزيز، بل غياب لصوتٍ موسيقي رافق قلب فيروز منذ عقود، وأعاد صياغة حضورها في الوجدان العربي. كانت العلاقة بينهما أكثر من أمومة؛ كانت تماهيًا فنيًا، وتوأمًا إبداعيًا نادرًا، جسّدته أعمال خالدة غنّتها السيدة مثل: “سألوني الناس”، “كيفك إنت”، و”بكتب اسمك يا حبيبي”، والتي باتت تمثل وجدان أجيال كاملة.
ولد زياد في كنف مدرسة الرحابنة العظيمة، لكنه تمرد عليها بأسلوبه الخاص، وخلق لونًا فنيًا بصوته الساخر، وعبقريته الموسيقية التي مزجت بين الشرق والغرب، وبين التراث والتمرد، وبين الواقعية والخيال. لم يكن مجرد ملحن، بل كان كاتبًا مسرحيًا، ومؤلفًا موسيقيًا، ومخرجًا فكريًا في زمن يحتاج إلى أصوات بحجم صوته.
الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري، عبّر عن حزنه العميق لرحيل أحد أهم مبدعي الوطن العربي، مؤكدًا أن زياد كان “امتدادًا لقيمة الرحابنة، واسمًا كبيرًا صاغ الوعي العربي بالموسيقى والمسرح والفكر”.
وأضاف الوزير:
زياد لم يكن فنانًا عاديًا، بل أيقونة ثقافية ترك بصمته في كل بيت عربي، وخلّف تراثًا متفرّدًا لا يموت. ونعزّي من القلب السيدة فيروز، وكل الشعب اللبناني، وكل من عرف معنى الفن الأصيل من المحيط إلى الخليج.”
ومع رحيل زياد، يُطوى فصل حيوي من كتاب فيروز، ذلك الكتاب الذي خطّه صوتها بكلمات كتبتها أنامل زياد، ولحّنته مشاعره قبل ألحانه. إنها لحظة حزينة للفن العربي، لحظة وداع لأحد أبنائه العباقرة الذين حملوا الوجع والفرح في نوتة، ورحلوا بصمتٍ يشبه انطفاء لحن.
رحم الله زياد الرحباني، وشفى قلب فيروز، التي باتت تحمل الآن في صوتها حنينًا مضاعفًا، ونغمة لن تكتمل بعده أبدًا.