كتب مصطفى قطب
في مشهد يكشف تصدعات الداخل الإسرائيلي وارتباك القيادة السياسية أمام ضغط الرأي العام، وصل المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، مساء الجمعة، إلى “ساحة الأسرى” بوسط تل أبيب، حيث تجمهر المئات من عائلات الجنود الأسرى لدى فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، احتجاجًا على صمت الحكومة الإسرائيلية عقب نشر مقاطع فيديو مأساوية توثق حال اثنين من الأسرى.
الحدث الذي تزامن مع تظاهرة غاضبة، جاء بعد أن بثت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، فيديو وصفته بأنه “الرسالة الأخيرة” للأسير روم بارسلافسكي، وهو جندي إسرائيلي شاب يبلغ من العمر 22 عامًا، اختفى منذ ما يقارب العامين بعد مشاركته في عملية عسكرية أطلقت عليها المقاومة اسم “عربات جدعون”.
في الفيديو، ظهر بارسلافسكي في حالة متدهورة جسديًا ونفسيًا، يبكي ويتوسل إلى حكومته قائلاً:
“أرجوكم، أدخلوا الطعام قبل أن أموت من الجوع، أنا على حافة الموت…”، وهي كلمات هزت وجدان عائلات الأسرى، ودفعتهم للخروج إلى الشوارع، مشعلين نيران الغضب في قلب تل أبيب.
وقد كشفت مصادر عبرية أن المبعوث الأمريكي لم يكتفِ بالحضور الرمزي، بل التقى بعدد من عائلات الجنود الأسرى، في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي المتصاعد. كما حمل إليه المتظاهرون رسائل تحمل اتهامات مباشرة لحكومة نتنياهو، متهمين إياها بالتقاعس عن اتخاذ خطوات جدية لتحرير الأسرى أو حتى الاعتراف بمعاناتهم.
الصدمة لم تتوقف عند بارسلافسكي، إذ تزامن نشر الفيديو مع تداول مشاهد أخرى للجندي الأسير أبيتار دافيد، في ظروف مشابهة من التدهور الصحي والانهيار النفسي، ما زاد من حدة المشهد وأشعل تفاعلات واسعة على منصات التواصل داخل إسرائيل وخارجها.
سرايا القدس أكدت في بيانها أن الجنديين ما زالا قيد الأسر منذ فترات طويلة، وحذرت من أن استمرار تجاهل ملف الأسرى من قبل القيادة الإسرائيلية سيؤدي إلى “نتائج لا تُحمد عقباها”، ملمحة إلى احتمالية تدهور أوضاعهم بشكل لا يمكن التراجع عنه.
في الوقت نفسه، تساءلت وسائل إعلام عبرية عما إذا كانت الحكومة الإسرائيلية لا تزال تمتلك خطة واضحة للتفاوض على استعادة أسراها، خصوصًا في ظل التراجع السياسي والدبلوماسي الذي تشهده تل أبيب إقليميًا ودوليًا.
وفي ضوء هذه التطورات، يُتوقع أن تزداد الضغوط على الحكومة الإسرائيلية، سواء من المعارضة أو من داخل التحالف الحاكم، لإعادة تقييم موقفها من ملف الأسرى. كما يتوقع مراقبون أن تتحول “ساحة الأسرى” في تل أبيب إلى بؤرة احتجاج مستمر خلال الأيام المقبلة، ما لم يُتخذ تحرك ملموس يعيد الأمل لعائلات الجنود المفقودين.
وتبقى رسائل الأسرى، بدموعهم وآهاتهم، أقوى من البيانات العسكرية، وأشد وقعًا من التصريحات السياسية، لتفضح هشاشة الداخل الإسرائيلي أمام مقاومة تعرف كيف تُدير معركة النفس الطويل.