كتب مصطفى قطب
عاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم الأربعاء 15 أكتوبر، إلى قاعة المحكمة في القدس، لحضور جلسة جديدة ضمن قضايا الفساد الثلاث التي تطارده منذ عام 2020، في مشهد أثار انقسامًا واسعًا داخل إسرائيل، وتفاعلًا دوليًا بعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المقترحة بمنحه “عفوًا سياسيًا”.
ظهر نتنياهو مبتسمًا وهو يتجه نحو قاعة المحكمة محاطًا بعدد من وزراء حزبه “الليكود”، متحديًا صيحات الاستهجان التي أطلقها المتظاهرون الغاضبون أثناء مروره في الطريق. المشهد كان أقرب إلى استعراض سياسي أكثر منه حضورًا قضائيًا، خصوصًا بعد محاولات حثيثة من حلفائه لتحويل القضية إلى معركة “كرامة وطنية” ضد ما يصفونه بـ”الاستهداف القضائي لزعيم اليمين”.
القضية التي شغلت الرأي العام الإسرائيلي لسنوات تعود إلى ثلاث ملفات فساد متشابكة. في أولها، يُتهم نتنياهو وزوجته سارة بتلقي هدايا فاخرة تزيد قيمتها عن 260 ألف دولار، شملت زجاجات شمبانيا فاخرة، وسيجارًا باهظ الثمن، ومجوهرات فاخرة من رجال أعمال مقابل تسهيلات سياسية. أما القضيتان الأخريان، فتتعلقان بمحاولات نتنياهو التأثير على التغطية الإعلامية لصالحه من خلال تفاهمات سرية مع مؤسسات صحفية إسرائيلية كبرى.
وتزامن مثول نتنياهو أمام المحكمة مع إعادة الرهائن الإسرائيليين الذين كانت تحتجزهم حركة حماس في قطاع غزة، ضمن اتفاق وقف إطلاق النار الذي لعب فيه ترامب دور الوسيط الأساسي. وهو ما أعاد طرح التساؤلات حول مدى تأثير العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية على مسار العدالة داخل إسرائيل، خاصة بعد أن قال ترامب في خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي: “السيجار والشمبانيا.. من يهتم لذلك؟”، مقترحًا على الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوج أن يمنح نتنياهو “عفوًا سياسيًا لإنهاء الانقسام الداخلي”.
ورغم الضغوط الداخلية والخارجية، يواصل نتنياهو إنكار جميع التهم، مؤكدًا أنه ضحية “مؤامرة سياسية تهدف لإسقاط الحكومة المنتخبة”. وفي المقابل، يرى معارضوه أن محاولاته المستمرة لإصلاح النظام القضائي ليست سوى محاولة للنجاة من المحاسبة القانونية.
مشروعات نتنياهو القضائية التي طرحها منذ نهاية 2022، وأراد من خلالها تقليص صلاحيات المحكمة العليا، فجّرت احتجاجات هي الأضخم في تاريخ إسرائيل الحديث. تلك الاحتجاجات لم تهدأ إلا بعد اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023، التي بدلت المشهد السياسي الإسرائيلي بالكامل.
وزادت حدة الموقف القانوني لنتنياهو بعد صدور مذكرة توقيف بحقه من المحكمة الجنائية الدولية، تتهمه بإصدار أوامر بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، ما جعله أمام واحدة من أكثر اللحظات حساسية في مسيرته السياسية الطويلة.
ويحمل نتنياهو رقمًا قياسيًا في تاريخ إسرائيل، إذ يعد أطول من تولى رئاسة الحكومة، حيث قضى أكثر من 18 عامًا في المنصب منذ 1996، متقلبًا بين قمم القوة السياسية ومنحدرات الاتهامات القضائية. وبينما يرى مؤيدوه فيه “الزعيم الذي لا يُستبدل”، يراه معارضوه “الرمز الأوضح لفساد المنظومة السياسية الإسرائيلية”.
وفي ظل تداخل الملفات — من العفو الأمريكي المقترح، إلى الاتهامات الجنائية الدولية — يبدو أن نتنياهو يواجه واحدة من أكثر لحظات حياته السياسية سخونة، بين ابتسامة هادئة أمام المحكمة، وعاصفة لا تهدأ خلف الكواليس.