بقلم: بوسي عواد
في لحظة صدق خالية من التجميل، يُمسك الإنسان بمرآة ذاته، يتأمل ملامح روحه لا وجهه، ويسأل نفسه بصوتٍ منخفض: كيف وصلتُ إلى هذا الكم من الخيبة؟
وفي تلك اللحظة تحديدًا، لا يكون الجواب صدمة، بل يقينًا صامتًا: أنا من اخترت، وأنا من تأذيت.
لا شيء يوجع الإنسان أكثر من إدراك أن ما حلّ به من أذى، لم يكن قدرًا، ولا قسوة من الآخرين فقط، بل نتيجة لاختياراته هو… لعفويته، لثقته، لبحثه عن الطمأنينة في أماكن لم تكن آمنة منذ البداية.
حين يُشفق الإنسان على نفسه، لا يفعل ذلك بدافع الضعف، بل لأنه يرى الحقيقة عارية: أن قلبه كان واسعًا لمن لا يستحق، وأنه في كل مرة ظن أنه يقترب من السلام، كان يقترب من خذلان جديد.
نحن نبحث عن الطمأنينة كما يبحث الطفل عن حضن أمه. لكننا حين نمنح هذا الشعور لمن لا يدرك قيمته، نحوله بأيدينا إلى فخّ.
ففي محاولتنا للاتزان، نتكئ على من لا يستحق، نفتح قلوبنا كأنها بيوت بلا أبواب، فنُخذل، ثم نُخذل، ثم نُدرك — متأخرين — أننا كنّا نُسلم مفاتيح الأمان لمن لا يعرف حتى معنى الحراسة.
يبدأ الإنسان في الشفقة على نفسه حين يفهم أن عفويته لم تكن براءة فقط، بل كانت في بعض الأحيان ضعفًا مغلفًا بالنوايا الطيبة.
وأن السعي نحو راحة القلب دون وعي هو ما قاده إلى تعبٍ مضاعف… إلى خيبات متكررة… إلى طمأنينة لم تكن سوى ممر نحو ألم جديد.
لكن، ليست كل الشفقة ضعفًا.
فحين نشفق على أنفسنا من أنفسنا، نبدأ بالتعافي.
نضع حدودًا، ونتعلم أن نُحب من نُحب، لكن دون أن نُسلّمهم أرواحنا بالكامل.
نثق، لكن بوعي.
نعطي، لكن دون أن ننسى أنفسنا.
نبحث عن الطمأنينة، لكن دون أن نُطفئ ذواتنا من أجلها.
فأكثر الناس خذلانًا، هم أولئك الذين ظنّوا أن الطمأنينة تُمنح بلا حساب.
وأقسى الحقائق، أن الطمأنينة التي سعيتَ إليها بكل صدق… قد تكون هي نفسها ما أوصلك إلى الخذلان.