الإثنين , يوليو 7 2025

الانتظار..رحلة في دروب الصبر والقلق

كتبت خيريه غريب

الانتظار… ليس مجرد وقت نضيفه بين حدثين، بل هو تجربة شعورية معقدة تتراوح بين الأمل والرهبة، بين الترقب والتوجس. إنه تلك اللحظة المعلقة بين “الآن” و”ما بعد”، حيث يعيش الإنسان خارج الزمن الطبيعي، مسجونا في قلق ما لم يحدث بعد. قد ننتظر رسالة، مكالمة، موعدا طبيبا، نتيجة اختبار، أو حتى لقاء قد يعيد ترتيب القلب. ومهما اختلفت الأسباب، يبقى الانتظار حالة تفرض نفسها على النفس وتختبر صبرها، وربما تعري هشاشتها.

للانتظار وجوه كثيرة. أحيانا يكون مجددا بموعد، نعرف نهايته بدقة، كما في انتظار موعد السفر أو ردّ رسمي على طلب ما. هذا النوع، ورغم ثقله، يمنحنا على الأقل يقينًا بأن النهاية قريبة. لكن الأصعب هو الانتظار المفتوح، غير المحدود بزمن، حين يضيع الأمل في التوقيت. كمن ينتظر اعتذارًا لم يأتِ، أو خبرًا من غائب لا يُعرف مصيره. هذا الانتظار هو الأصعب، لأنه يولّد أسئلة أكثر من إجابات، ويجعل التفكير ينهش الأعصاب بلا هوادة.

في جوهره، الانتظار ليس سكونًا، بل صخب داخلي لا يُرى. التوتر يبدأ صغيرًا، ثم يكبر شيئًا فشيئًا، حتى يطغى على كل اللحظات. يسرق التركيز، ويقلب النوم قلقًا، ويجعل أبسط اللحظات مثقلة بالتوجس. وقد يتحول الانتظار إلى مصدر للإحباط واليأس، خاصة إذا طال أمده أو انتهى بخيبة. لكنه أيضًا يمكن أن يكون مساحةً للتأمل والمراجعة، إذ فيه نكتشف صبرنا وحدود طاقتنا، وربما نعيد ترتيب أولوياتنا.

لأن الانتظار جزء لا يتجزأ من الحياة، فإن التعامل معه مهارة نفسية وعقلية تستحق أن تُكتسب. ومن أهم الوسائل التي قد تساعد: شغل الوقت، لا تجعل الانتظار مركز يومك، املأ وقتك بقراءة أو عمل أو هواية، حين ينشغل العقل يقل تأثير الانتظار. ممارسة الاسترخاء، كالتأمل أو تمارين التنفس أو حتى الجلوس في مكان هادئ، فالجسد المسترخي يساعد في تهدئة الفكر. التفكير في جميع الاحتمالات، لا تركز على سيناريو واحد، حين توسّع رؤيتك للنتائج الممكنة تقلّ حدة الصدمة. إعادة صياغة الانتظار، اجعله فرصة للتأمل لا سجنًا، اسأل نفسك ماذا أتعلم من هذا الانتظار؟ ما الذي تغيّر داخلي بسببه؟

الانتظار، على ثقله، ليس عدوًا دائمًا. أحيانًا، يمنحنا لحظات نحتاجها لإعادة التوازن. وربما، حين ينتهي، نكتشف أننا لم نكن ننتظر الحدث بقدر ما كنا ننتظر أنفسنا لننضج، أو لنفهم، أو لنستعد. هو جزء من الحياة، لن نستطيع تجنبه، لكن يمكننا أن نعيشه بوعي، أن نخفف من وطأته، وأن نخرج منه أقوى لا أضعف، أصفى لا أكثر اضطرابًا. ففي النهاية، ليس كل انتظار ضائعًا… بعضه طريق.

شاهد أيضاً

صحابة النبي… سعد بن معاذ رضي الله عنه 

مصطفي قطب سعد بن معاذ الأنصاري رضي الله عنه، صحابي جليل وخليفة قائد من الأوس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *