كتبت خيريه غريب
في العلاقات الإنسانية، نُخطئ أحيانًا حين نمنح قلوبنا بسخاء، نُعطي بلا حساب، لا نضع شروطًا، ولا ننتظر مقابلًا، ظنًّا منا أن الحب والعطاء قيم عليا لا تحتاج إلى وزنٍ أو ميزان. نُحب فنُعطي، نرتبط فنَسند، نَطمئن إلى أحدهم فنُغلق كل الأبواب ونترك له باب القلب مشرعًا، يدخل ويخرج متى شاء.
لكن الحقيقة القاسية التي يكتشفها كثيرون بعد فوات الأوان، أن بعض العلاقات لم تكن يومًا متوازنة. هناك من يعتبر وجودك في حياته امتيازًا له، وهناك من لا يراك إلا وسيلة راحة، لا يتذكرك إلا عندما يتعب، ولا يبحث عنك إلا حين تضيق به الأرض.
وجودك لا يعني له الاستمرارية، بل مجرد استراحة عابرة.
أنت لست شخصًا بالنسبة له، بل حالة مزاج. يحتفظ بك كما يحتفظ بشيء عزيز لا يريده أن يضيع، لكنه لا يستخدمه إلا عند الحاجة. يضعك على “رفّ الراحة”، لا يسأل عنك حين تغيب، ولا يراك حين تتألم، لكنه يتوقّع منك أن تكون حاضرًا، متفهّمًا، صبورًا، متسامحًا، كما كنت دائمًا.
وهنا يُطرح السؤال المؤلم:
هل نحن نمنح أكثر مما نستحق؟ أم أن البعض لا يعرف كيف يُقدّر من يحبّه بصدق؟
ليس عيبًا أن تُحب وتُعطي، لكن الخطأ الحقيقي أن تضع نفسك دومًا في المرتبة الأخيرة، أن تقبل بأن تكون الظل الذي يستظل به الآخرون دون أن يسأل أحد إن كنت قد أُنهِكت من طول الوقوف.
في العمق، الإنسان يحتاج إلى من يبادله الشعور، لا من يستهلكه عاطفيًا.
يحتاج إلى علاقة يُشاركه فيها الآخرون الحِمل، لا أن يُلقى عليه كاملاً.
يحتاج إلى من يسأله: “هل أنت بخير؟” لا من يفترض أن الخير فيه دائمًا حاضر.
لا أحد يستحق أن يكون قطعة أثاث عاطفية، تُستخدم وقت الضيق وتُنسى وقت الفرح.
إنها دعوة للتوازن. دعوة لإعادة النظر في علاقاتنا.
لأن الحب الحقيقي لا يضع أحدًا على الرف،
بل يمنحه مكانًا دائمًا في القلب.