كتبت خيريه غريب
في لحظة صدق مع الذات، نقف مذهولين أمام سؤال بسيط في صياغته، عميق في دلالته: “إن كانت المحبة تسبب لنا هذا القدر من الألم، فكيف سيكون الحال مع الكراهية؟” هذا السؤال لا يُطرح عبثًا، بل ينبثق من جرحٍ عميق، من تجربة إنسانية حقيقية نمر بها حين نخون أو نُخدع أو نفترق عمّن نحب. فالمحبة — رغم أنها أسمى المشاعر — قادرة على كسرنا، على أن تُحدث فينا شرخًا لا يُرمم بسهولة. نحزن، نضعف، ننهار أحيانًا… كل ذلك باسم الحب.
لكن، هل جرّبنا الكراهية يومًا؟ هل تأملنا أثرها على الروح؟ الكراهية ليست شعورًا عابرًا، بل عبءٌ ثقيل نحمله في قلوبنا. إنها نار صامتة تلتهم كل ما هو جميل فينا. حين نكره، نغلق نوافذ الرحمة، ونحجب عن أنفسنا النور. نصبح أسرى أفكار مظلمة، وأحاسيس ملوثة بالانتقام والضيق والعداء. لا نؤذي غيرنا فقط، بل نؤذي أنفسنا أولًا. تتآكل أعصابنا، تتوتر أجسادنا، يختنق عقلنا. الكراهية تفتك بِنَا دون رحمة.
في المقابل، قد توجعنا المحبة، لكنها تمنحنا ما لا تمنحه أي مشاعر أخرى: الفرح، الأمل، الدفء، والقدرة على النهوض بعد كل سقوط. هي التي تُلهمنا، تُنقذنا، وتعيد إلينا إنسانيتنا. عندما نحب، نغفر، نتسامى، نرى العالم بعيون مختلفة. المحبة توسِّع القلب، وتفتح أبوابًا للتغيير والنضج والشفاء.
لذلك، لا بد أن نتعلم كيف نُصادق مشاعرنا بدل أن نقاومها. أن نُهذّب الحب، لا أن نهرب منه. أن نرفض الكراهية، لا أن نبررها. فالحياة لا تُقاس بعدد الضربات التي نتلقاها، بل بقدرتنا على الاستمرار رغمها، وعلى اختيار النور كلما اشتدت العتمة.
إن كانت المحبة تُوجِعنا أحيانًا، فإن الكراهية قد تقتلنا. فلنختار الحب، رغم كل شيء، فهو الطريق الأرحم. فلنحيا بالحب، لا بالكراهية. ولنجعل من كل تجربة ألم فرصة للنمو والتعلم. هكذا نعيش الحياة بحق، ونحقق أسمى معاني الإنسانية.