كتب سيد بدران
في واقعة تُجسد الفساد المنظم واستخدام الحيل المالية المتقنة، كشفت أجهزة وزارة الداخلية المصرية، ممثلة في قطاع مكافحة جرائم الأموال العامة والجريمة المنظمة، تفاصيل واحدة من أخطر قضايا غسل الأموال، التي تورّط فيها ثلاثة متهمين، بينهم موظف حكومي استغل موقعه الوظيفي لسرقة ملايين الجنيهات من جهة سيادية بالدولة، قبل أن يشرع بمساعدة شريكيه في إخفاء مصدر الأموال وتحويلها إلى كيانات ظاهرها شرعي.
ووفقًا لما توصلت إليه التحريات الأمنية الدقيقة، فقد بدأ المخطط عندما استولى المتهم الأول على مبالغ ضخمة من إحدى الوزارات مستغلًا نفوذه الوظيفي وتسهيلات الوصول إلى البيانات والوثائق الرسمية. وبهدف الهروب من الرقابة القانونية والملاحقات الأمنية، تواصل مع شخصين آخرين لتنفيذ خطة ممنهجة لغسل تلك الأموال.
لم يقف الأمر عند حدود السرقة، بل خطط الثلاثة لإخفاء مصدر الأموال غير المشروع عبر وسائل متعددة لإضفاء الطابع الشرعي عليها، أبرزها:
تأسيس شركات وأنشطة تجارية وهمية.
شراء سيارات فارهة بأسماء مختلفة.
اقتناء كميات من المشغولات الذهبية.
الاستثمار في كيانات عقارية وتجارية تُخفي مصدر الربح الأصلي.
وقدرت أجهزة التحقيق إجمالي الممتلكات والأصول الناتجة عن عملية غسل الأموال بنحو 17 مليون جنيه مصري، شملت أرصدة مصرفية، سيارات، عقارات، مشغولات ثمينة، إضافة إلى مستندات تُشير إلى محاولات تمويه متكررة لملكية هذه الأصول، عبر تسجيلها بأسماء وهمية أو أقارب من الدرجة الثانية.
بناءً على هذه المعلومات، تم رصد وتتبع التحركات المالية والمصرفية للمتهمين الثلاثة، ما أتاح للأجهزة الأمنية تحديد الشبكة الكاملة لتصريف الأموال المسروقة، ومن ثم ضبط العناصر المشاركة وتحريز المستندات الدالة على النشاط الإجرامي.
وأكد مصدر أمني أن القضية تُعد نموذجًا صارخًا لكيفية توظيف المنصب الوظيفي في التربح غير المشروع، مشددًا على أن الأجهزة الرقابية في الدولة تقف بالمرصاد لكل من تسول له نفسه العبث بأموال الشعب أو مؤسسات الدولة.
من المنتظر إحالة المتهمين إلى النيابة العامة المختصة، مع تقديم كافة المستندات الداعمة للتهم، وسط توقعات بإحالة القضية إلى محكمة الجنايات في ضوء خطورة الوقائع وتورط موظف عام في جريمة مالية كبرى.
تكشف هذه القضية، بما لا يدع مجالًا للشك، أن الدولة المصرية ماضية بكل قوة في تطهير مؤسساتها من الفساد المالي والإداري، وأن الرقابة الصارمة والجاهزية الأمنية قادرة على رصد أدق محاولات التحايل والاستغلال.
وفي الوقت الذي تسعى فيه مصر لبناء اقتصاد قوي وجاذب للاستثمارات، فإن مثل هذه الضربات توجه رسالة حاسمة: أن المال العام خط أحمر، وأن كل من يعبث به سيُحاسب مهما طال الزمن أو تعقدت خطته.