الخميس , يوليو 10 2025

التربية والتنوير عند أحمد زحام في مسرح الطفل

بقلم : د. محمد جمال الدين

يُعد مسرح الطفل أحد الروافد الثقافية الأساسية في بناء وعي الأجيال الناشئة، وتشكيل ذائقتهم الفنية، وغرس القيم الإيجابية في نفوسهم، وفي هذا السياق، يبرز اسم الكاتب المسرحي أحمد زحام كقيمة فنية متفردة في مجال مسرح الطفل، ليس فقط لإسهاماته الإبداعية الغزيرة، بل ولعمق فلسفته الأسلوبية، وطرق تعامله المنهجي في ورش العمل مع الأطفال.

 

يتسم أسلوب أحمد زحام في الكتابة لمسرح الطفل بسمات عدة تجعله متفردًا ومؤثرًا، منها على سبيل المثال البساطة والوضوح اللغوي، إذ يدرك زحام تمامًا أن المتلقي هو الطفل، لذا يعتمد لغة سهلة واضحة، ومباشرة، خالية من التعقيد والتراكيب المعقدة، ومع ذلك فإن هذه البساطة لا تعني السطحية، بل هي بساطة عميقة تتسع لاستيعاب المفاهيم الكبرى والقضايا الجوهرية، إذ تُسهم هذه السهولة في وصول الرسالة بيسر إلى ذهن الطفل، وتجعله مندمجًا في الأحداث والشخصيات دون عناء.

 

كما يُبدع زحام في خلق شخصيات قريبة من عالم الطفل وتجاربه اليومية، سواء كانت شخصيات بشرية أو حيوانية أو حتى كائنات خيالية، وتتميز هذه الشخصيات عنده بسمات إنسانية واضحة، وتمر بتحديات وصراعات يمكن للطفل أن يتعاطف معها أو يتفهمها، مما يعزز لديه قيم التعاطف، والتسامح، وحل المشكلات، كما يعتمد على شخصيات تمثل نموذجًا إيجابيًا يُحتذى به، أو تُبرز قيمة معينة يُراد ترسيخها، مثلما هو الحال في العديد من نصوصه لمسرح الطفل، على سبيل المثال لا الحصر بنت السيرك وهجرة شجرة وصانع الأقنعة.

 

ويكاد لا يخلو أي عمل لأحمد زحام من حس الفكاهة المرحة التي تجذب الأطفال وتُبقيهم مستمتعين، إذ يستخدم الكوميديا الموقفية والحوارية ببراعة، ليس لمجرد الإضحاك، بل لكسر رتابة السرد، وتخفيف حدة بعض المواقف، والأهم من ذلك لتكون جسرًا يمر عبره رسائل العمل وقيمه التربوية، فالمتعة والتسلية لديه ليست غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق غاية أعمق، كما يُبحر زحام في عوالم من الخيال الواسع، يُطلق العنان لأفكار مبتكرة، ويخلق فضاءات مسرحية تحفز مخيلة الطفل، إذ يعي أن الخيال هو وقود الإبداع، وأنه الأداة الأمثل لتقديم أفكار جديدة وغير تقليدية، مما يوسع مدارك الطفل ويشجعه على التفكير خارج الصندوق، وتتسم العوالم عند زحام بالألوان المبهجة، والأحداث المشوقة، والمغامرات المثيرة.

 

إن السمة الأبرز في كتابات زحام تعتبر الرسالة التربوية والأخلاقية الكامنة في نصوص، هو لا يُقدم نصائح مباشرة أو وعظًا مُملًا، بل يُضمن القيم مثل الصدق، الأمانة، التعاون، احترام الآخر، حب الوطن، الحفاظ على البيئة، وغيرها، ضمن نسيج الحكاية وأحداثها وشخصياتها، إذ يتلقى الطفل هذه القيم بشكل طبيعي ومن خلال تفاعله مع الأحداث، فتترسخ في وعيه بطريقة غير مباشرة وأكثر فاعلية.

 

تستند فلسفة أحمد زحام لمسرح الطفل على رؤية شاملة تُؤمن بأن المسرح ليس مجرد وسيلة للترفيه، بل هو أداة قوية وفاعلة في تنمية الطفل على كافة الأصعدة، وذلك من خلال تقديم معلومات مبسطة حول مواضيع مختلفة، لتوسيع مدارك الأطفال حول العالم من حولهم، علاوة على تشجيعهم على فهم المشاعر والتعبير عنها، وتنمية حس التعاطف مع الآخرين، بالإضافة إلى تعليمهم أهمية التعاون، العمل الجماعي، احترام الاختلاف، إلى جانب تحفيز حس الإبداع لديهم، وتنمية ذائقتهم الفنية.

 

يُؤمن زحام بأن المسرح يُوفر مساحة آمنة للطفل للتعبير عن نفسه، وتجاوز الخجل، وتنمية قدراته الخطابية والجسدية، إذ تُشكل هذه المحاور الفلسفة التي يرتكز عليها زحام في كل عمل يُقدمه، سواء كان نصًا مسرحيًا أو ورشة عمل، إذ يرى أن مسرح الطفل هو مختبر لتجارب الحياة المبكرة، حيث يمكن للطفل أن يُجرب أدوارًا مختلفة، ويتعامل مع مواقف متنوعة، ويتعلم دروسًا قيمة بطريقة ممتعة وتفاعلية.

 

لا تقتصر إسهامات أحمد زحام على كتابة النصوص المسرحية للطفل، بل تتجاوزها إلى ورش العمل التي يُقيمها مع الأطفال، والتي تُعد نموذجًا حيًا لتطبيق وفلسفته، لذا يُمثل أحمد زحام نموذجًا يحتذى به في مجال مسرح الطفل، فقد استطاع بأسلوبه المميز وفلسفته العميقة أن يُقدم أعمالًا مسرحية لا تُمتع الأطفال فحسب، بل تُساهم بفاعلية في بناء شخصياتهم وتنمية قدراتهم، من خلال قدرته على الجمع بين البساطة والعمق، والمتعة والفائدة، والخيال والقيم، وهو ما جعله واحدًا من أهم رواد مسرح الطفل المصري، ولعل ورشه المسرحية مع الأطفال خير دليل على أن المسرح أداة تعليمية وتنموية لا غنى عنها، وأن الفن يمكن أن يكون جسرًا للتربية والتنوير، وعليه يبقى أحمد زحام علامة فارقة في تاريخ مسرح الطفل المصري، كمُلهمًا للأجيال القادمة من الكتاب والفنانين للعمل في هذا المجال الحيوي.

شاهد أيضاً

فاطمة المعدول أيقونة مسرح الطفل

بقلم : د. محمد جمال الدين تُعد فاطمة المعدول واحدة من أبرز الأسماء في تاريخ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *