كتب مصطفي قطب
العتاب هو لغة المحبة والصداقة، وهو جسرٌ يُبنى بين القلوب ليمنع الفجوة والخصام. قد يظن البعض أن العتاب يسبب الجفاء، لكن الحقيقة أنه وسيلة راقية للتعبير عن المشاعر وإصلاح الخلل قبل أن يتفاقم. فعندما نعاتب من نحب، فإننا نؤكد على مكانتهم في قلوبنا، ونُظهر لهم أننا لا نريد أن نخسرهم بسبب سوء فهم أو موقف عابر.
العتاب لا يعني الهجوم أو التجريح، بل هو حديث من القلب للقلب، يعبّر فيه الإنسان عن ألمه بطريقة لطيفة. هو فنٌ يتطلب صدق المشاعر وحنكة الأسلوب، فالكلمة الطيبة والنية الصافية تجعل من العتاب بلسمًا للروح، لا خنجرًا يُغرس في القلب.
في العلاقات الإنسانية، كثيرًا ما تحدث مواقف قد تترك أثرًا في النفس، وقد نصمت أحيانًا، لكن الصمت المستمر يولّد التراكمات، وهنا يأتي العتاب كصمام أمان، يُخرج ما في القلب ويمنع تفاقم الأمور. وقد قيل في المثل: “العتاب على قدر المحبة”، أي أن من نعاتبه هو من نحبه ونخشى فقدانه.
لكن يجب أن يكون العتاب بحدود، فالإفراط فيه يُفقده أثره، وقد يؤدي إلى النفور. كما أن توقيت العتاب وطريقته يلعبان دورًا مهمًا في تقبّله، فكلما كان العتاب هادئًا ومبنيًا على الرغبة في التفاهم، كان أكثر تأثيرًا وفاعلية.
في الختام، يمكن القول إن العتاب، حين يكون نابعًا من محبة صادقة، يكون وسيلة لصون العلاقات وتعميقها. فهو لا يُبعد، بل يُقرّب، ولا يُضعف، بل يُقوّي، ويجعل من العلاقات الإنسانية روابط أكثر متانةً ودفئًا.