الإثنين , يوليو 7 2025

صورة البطل فى كوكب سيكا عند عبده الزراع

 بقلم : د . محمد جمال الدين

اتجهت معظم الدراسات فى أول الأمر إلى تناول مصطلح الصورة من خلال الشعر كأحد الأجناس الأدبية، بالرغم من إشتراك الأجناس الأدبية الأخرى والفنون كالمسرح في كثير من معطيات مفهوم الصورة، مع الأخذ فى الإعتبار الخصوصية التي يجسدها كل جنس أدبي، وكل فن في تشكيل الصورة إاستمدادها وتوظيفها، الأمر الذي يهيئ لدراستها خصـوبة وثراءً، ويوسع من دائرة التلقى مع الأدب والفن، ويثري المعرفة بهما، خاصة فنون المسرح الذي اهتم دارسو الصورة فيه بموضوعات بعينها كالبطولة .

تؤسس أغلب الدراسات التى تناولت مصطلح الصورة سواء في الأجناس الأدبية أو فى الفنون، وجودها على أساس نظري، يبحث الصورة من حيث معناها وصلتها بالخيال ووظيفتها، بما يكشف عن المفهوم والقيمة وفق مدلولهما الذي يتعاطاه كلا من الفنان والناقد والباحث، ويبني به رؤيته الخاصة سواء الفنية أو النقدية أو العلمية، إلا أن هناك دراسات مستقلة اتجهت إلى مصطلح الصورة من زاوية نظرية محللة لمفهومها وقيمتها، أو مؤرخة لها، أو دراسة لوسائلها الخيالية وتقنياتها اللغوية والفنية، أو مترجمة عن الدراسات النقدية الحديثة لنظرياتها الفنية .

تظهر بدايات الإهتمام بمصطلح الصورة في المسرح المعاصر في تجديد مفهومها ووظيفتها، وقد تبلور هذا التجديد بشكل نظري في نصوص المسرح التي شكلت أول منعطفات التغيير، والتحول في مسار الوعي العربي بالمسرح، ومجمل هذه النصوص يؤسس نظريًا لمفهوم الصورة ووظيفتها، بالإحالة إلى نظرية التعبير، سواء بإكتشاف دور الخيال وأهميته الإبداعية، أو تأكيد دور الوجدان والعاطفة والتجربة النفسية بوصفها مادة الأدب والفن، أو الإعلاء من شأن المسرح وخصوصية الصورة فيه من جهة الماهيه ومن جهة القيمة والوظيفة، وقد اتكأت على هذه النصوص المسرحية بعد ذلك دراسات نقدية عديدة في الصورة، وظلت معينًا خصبًا تنهل منه أساسها النظري الذي يتعدى الصورة إلى جوانب أخرى وتفريعات مختلفة في الفن المسرحى وفي أشكاله وعناصره ومضامينه ووظيفته .

يجمع عدد من الباحثين على أن الصورة منهج فوق المنطق لبيان حقائق الأشياء، إذ كان الإنسان القديم يستعين بالأسطورة ليجلب الخير ويدفع الشر، يستعين بها لأنها تثقف وحشيته، تدفعه إلى الحدث، واليوم أصبحت العلاقة بين الصورة والحدث أكثر تعقيدًا، حيث إننا لا نطلب من الفن أن يكون بوقًا ولا دعاوة ولا كذبًا مبهرجًا، إننا نتعلم من الفن ومن المسرح كثيرًا، ولكنه تعليم خاف غير مباشر وغير مقصود لذاته، ويوم كان الحدث جزءًا من الصورة غنيت الصورة، واليوم انفصل الحدث عن الصورة، واستبدت الصورة بعقل الكاتب والفنان، ولقد استبد الحدث بعقل المؤلفين والفنانين زمنًا فعجزت الصورة وخضعت لذلهما.

هناك أيضًا علاقة بين خاصية الخلق والإبتكار والصورة، من خلال دراسة الخيال وعلاقته بالصورة، وهو ما يدفع بالفكرة النظرية للصورة إلى لباب فلسفة المعرفة، بما تطرحه من أسئلة الواقع الخارجي والعناصر الموضوعية من جهة، والتأمل الداخلي والعناصر الذاتية من جهة أخرى، فكل صورة خيـالية نتاج عناصر موضوعية وذاتية معًا، ومن الخطأ أن يُظن أننا طـورًا أمام حـدث ذاتي، وطورًا أخر أمام حدث موضوعي، وليس من المستطاع أن نعرف أين ينتهي الحس الخارجي، وأين يبدأ التأمل الداخلي .

لا يخفى على الجميع أهمية مسرح الطفل وصنيعه فى القلوب وتأثيره السحرى فى النفوس، وماله من دور فى بناء شخصية الطفل، بالإضافة إلى أن بعضًا من غاياته هى التذكير والتحذير، أو معالجة مشكلة، أو طرح مجموعة من القيم والمبادئ فى نفوس الأطفال، ولشخصية البطل فى مسرح الطفل أهمية كبيرة، إذ أنه الشخصية الرئيسة فى العمل، وكلما كانت شخصية البطل مكتملة الملامح والسمات، كلما أصبحت أكثر جاذبية وأعمق تأثيرًا، فالبطل فى عرض مسرح الطفل هو تجسيد لمعان معينة، أو رمز لدور من أدوار الحياة .

يدفع تتابع مفهوم البطل فى المعاجم والموسوعات، إلى الوصول إلى نتيجة مفادها الإتفاق على أن البطولة هى الشجاعة الفائقة، التى لا يتحلى بها إلا قلة من البشر، يطلق عليهم أبطال لشجاعتهم النادرة، علمًا بأن للبطولة أسسها وضوابطها الصارمة وأعرافها الثابتة وقواعدها النبيلة أيضًا، والإخلال بأى منها أو الخروج عليها يعنى إنتفاء البطولة وبالتالى البطل، فالبطولة هى الشجاعة النادرة التى لا تتوافر إلا فى الأبطال، ولكن هل يعنى ذلك أن كل شجاعة تسمى بطولة؟، بالطبع لا فقد يكون اللص الفتاك شجاعًا يرهبه الأشداء الأقوياء، لكن لا يمكن وصفه بالبطولة، إذ أنه لا يخاطر بحياته من أجل حماية عقيدة ولا السعى إلى المثل العليا .

تكاد معاجم اللغة العربية القديمة والحديثة، تتفق على المعنى الذى تفيده مفردة البطل، وعلى أن صفة الشجاعة الفائقة هى الصفة البارزة فيه، ولكنها فى الوقت نفسه تختلف دلاليًا فى بيان التسمية، فالشجاع سمى بطلًا لأنه يبطل جراحته ولا يكثرت لها، فقد جاء لغة في لسان العرب أن البطل الشجاع وفي الحديث: شاكي السلاح بطل مجرب، ورجل بطل بين البطالة والبطولة، شجاع تبْطلُ جراحه فلا تكترث لها، وقيل إنما سمي بطلًا لأن الأشداء يبطلون عنده، وقيل: هو الذي تبطل عنده دماء الأقران، فلا يدرك عنده ثأر من قومٍ أبطا، وفى المعجم الأدبى ورد أن البطولة بسالة خاصة بكبار الشجعان، وفى معجم المصطلحات العربية ورد أن البطل محارب شهير، أو إنسان يعجب به الناس لما له من مآثر ومكرمات.

وإذا ما بحثنا فى مفهوم البطولة أو البطل فى معظم المعاجم والموسوعات نجدها جميعها تتفق على أن البطولة هى الشجاعة الفائقة، التى لا يتحلى بها إلا قلة من الناس، فالبطل ذو شخصية تمتاز بالشجاعة والقوة النادرتين التى لا يملكها غيره، وهى الشجاعة التى يتجاوز بها البطل قدرات الأخرين، وما هو مألوف فى عالم الإنسان، لذا يمكن تعريف البطل تعريفًا إجرائيًا، على أنه الشخص الذى يتصف بالشجاعة، والإقدام والقوة والهيبة، ويتصف بأخلاق فاضلة وصفات حميدة، ترفعه وتجعله يعلو عن الصغائر والنقائص، وتجعل منه نموذجًا يحتذى به، ومثالًا يقتدى به، وينظر إليه بعين الإعجاب والتقدير والإندهاش .

لقد حاول الإنسان منذ فجر تاريخه أن يحقق ما يحلم به من حياة هانئة أمينة، فعند (الإغريق) ارتبط البطل بالمفهوم الأسطوري الملحمي، تجسيدًا لقوى خارقة أو آله حل في الأرض، فهو واحد من أبطال التاريخ، فبطولته في الغالب ليست سوى صراع يضعف فيه الإنسان أمام الآلهة، فيرجع البطل بعد صراعه معترفًا بضعفه أمام الآلهة، سواء أكان معها فنصرته أم كان ضدها فسحقته، أى بمعنى آخر فناء الإنسان وخلود الآلهة، وهذا يخيب ظن البطل الأسطوري، عندما لا يحقق الخلود والخلاص من الموت، وقد حقق البطل لدى العرب الواقعية حتى في آدابهم المختلفة، وفي القصص الشعبية على وجه الخصوص، إذ أنه بطل يطول به الزمن حتى يؤدي رسالته كما ينبغي ثم يموت.

يرى جمهور الباحثين ان البطل فكرة تعلو سلوك الشخصيات، التي تتحرك حسب تصورات الكاتب، ومهما يكن الأمر فإن مفردة البطولة ليست وليدة الساعة، بل هي ما تداوله الناس عن متميزي الرجال في التاريخ العالمي، ومع إن لكل مجتمع نظرته للبطولة ومن أين تأتي للبطل، وكيف يكون حتى غدت البطولة عملًا يشتمل في محتواه على اللصوص وشذاذ الآفاق، حيث الغارات التي تقوم بها القبائل بعضها على بعض، والسلب الذي يتعرض له بعض الناس من قبل قطاع الطرق، وهو ما لم يحسب عملًا قانونيًا فحسب، وإنما أصبح عمل بطولي ومصدر شرفٍ ومجال مفاخرة، وقد تطرق البعض ممن سبقونا في نظرتهم للبطولة حتى استوت عندهم الصورة بين من يموت بحق ومن يموت بغير حق، وصار هذا هو قانونهم الطبيعي، وناموسهم الحياتي الذي يضعونه موضع الإكبار والإجلال .

لقد نمت هذه النظرة للبطولة على سوءها وتشويهها لحقيقة البطولة، نتيجة لطبيعة البيئة التي يعيش بها العربى، حيث تنمو لديه (أنا) القبيلة على حدٍ سواء مع نمو القيم النبيلة الأخرى، كالكرم والشجاعة وما شاكلهما، فالجزيرة كانت من أكثر بلاد العالم جدبًا، وكان أهلها مقيدين بحدودها لا مناص لهم من الاكتفاء بما تنتجه أرضهم القاحلة، لذلك فإن نظامهم الإجتماعي أحل الغارة والغزو، ورفع مفهومه إلى مصاف الأعمال البطولية العظيمة التي تبرز القبيلة، وترفع رأسها جراء هذه الخدمة التي قدمها لها ابنها، وأن قوة البطل الفرد لم تكن تمثل نفسه وتعود على شخصه بقدر ما كانت تمثل القبيلة وتعود عليها، وكل ما يحرزه من مجدٍ ورفعه إنما عائد إليها.

والبطل قد يكون حقيقيًا، أو من نسج خيال المؤلف جملة وتفصيلًا، ولكن وعلى وجه المتعارف عليه، يبقى البطل هو الشخص القادر على القيام بعمل لا يستطيع غيره القيام به، إذ أن البطل هو الشخصية المحورية في أي عرض مسرحى سواء للكبار أو للأطفال، كما أن البطل هو الذى تتعلق به الأذهان، وهو المنقذ الوحيد صاحب القدرات الفائقة والعقلية الخلاقة والشجاعة الخارقة، فيشدو له ويتغنى به ويبتهل إليه .

ويُعرف (شوقى ضيف) البطولة على أنها الغلبة على الأقران، وهي غلبة يرتفع بها البطل عمن حوله من الناس العاديين، إرتفاعًا يملأ نفوسهم له إجلالًا وإكبارًا، فالبطل ليس فقط الذى يمتاز بالشجاعة، ولكن البطولة تكمن في موقف ذلك البطل وخلقه وصبره على أدائه للبطولة .

كما ينظر علماء الإجتماع للبطل على أنه إنسان قوي يسعى إلى تحقيق قيم أصيلة في المجتمع، ولكن ليس معنى ذلك أنه لا بطل إلا بهذا المفهوم، إذ أن مفهوم البطل الإجتماعي، هو الأقرب لمفهوم البطل عند العرب وغيرهم، فالبطل وقوته المتناهية في خدمة مجتمعه، إذ يوجد من بين الأبطال من هم أصحاب عقيدة ومبدأ ومثل عليا، حققوا مقومات البطل والبطولة، ولكن ربما ليسوا أصحاب قوة جسدية لافتة، أو أنه لا يعنيهم المجتمع بشيء، أو المجتمع الذي يعيشون فيه على أقل تقدير، فهو بطل يجاهد من أجل عقيدة ومبدأ يؤمن به، ويمتلك قوة قد تكون متنوعة، ولكنه في الوقت نفسه لا يعينه بشيء، ولا تهمه عاداته وتقاليده وأعرافه، وبناء على هذا فإن البطل فى نظر علم الإجتماع هو ذلك الإنسان الذي يتمتع بشجاعة متنوعة ونادرة، وقوى بدنية وعقلية فائقة، وأخلاق فاضلة، ومبدأ سام، وتطلع للكمال، وتعبير صادق بليغ عن ذات قوية، وظفها في خدمة مجتمعه غالبًا، فكان المثال المتناهي في الكمال لديه مبدأ وعقيدة، تنأى به عن مصالحه الشخصية ونوازعه الأنانية، وبهذا خرج اللص من دائرة الأبطال، مع أنه شجاع يتمتع بقوى بدنية وعقلية .

ولا شك أن مسرح الطفل يكتسب أهمية كبيرة، لما يضطلع به من مهمة خطيرة فى تنشئة الطفل وتكوينه، وتفجير طاقاته الإبداعية والسلوكية، لذا قال عنه (مارك توين) أن مسرح الطفل هو (أعظم إختراعات القرن العشرين)، ووصفه بأنه (أقوى معلم، وخير دافع إلى السلوك الطيب، اهتدت إليه عبقرية الإنسان)، ولمسرح الطفل أثر هام فى إستثارة خيال الطفل وتنميه مواهبه، كما أن له أيضًا مهمة تثقيفية بإعتباره، أحد أكثر الوسائط الثقافية تأثيرًا، ويؤدى دورًا هامًا فى تكوين شخصية الطفل وإنضاجها، وهو وسيلة من وسائل الإتصال المؤثرة، فى تكوين إتجاهات الطفل وميوله وقيمه ونمط شخصيته .

تساهم الشخصيات والنماذج البطولية فى نصوص مسرح الطفل فى تقديم النماذج الصالحة والقدوة الحسنة إلى الطفل، إلى جانب أن تلك الشخصيات والنماذج البطولية تلعب أدوار كثيرة وصعبة وهامة جدًا، ترتبط بمراحل وأبعاد التربية سواء الإجتماعية أو القومية أو الثقافية أو الروحية، ومن هذه الأعمال التى تقدم صور لتلك الشخصيات والنماذج البطولية، نص (كوكب سيكا) تأليف وأشعار (عبده الزراع)، والذى قُدم على العديد من خشبات المسارح لجهات إنتاج مختلفة منذ (2014) وحتى يومنا هذا، وهو النص الذى لاقى نجاحًا كبيرًا فى كل مرة تم تقديمه فيها على خشبات المسارح .

تدور أحداث النص حول أهمية العلم وأهمية العمل، وذلك فى إطار من الكوميديا الغنائية، من خلال شخصيتين (محمدين)، و(حسانين)، وهما غفيرين يحرسان موقع صاروخ فضائى تحت إشراف الشاويش (حسان)، فى ليلة من ليالى الشتاء الباردة التى تجعلهم تحت تأثير البرد يدخلون الصاروخ، ليتدفئوا ثم يعبثوا بالمفاتيح الخاصة بالتحكم بالصاروخ، ظنًا منهم أنها ستقوم بتشغيل التليفزيونات، التى هى فى الأساس شاشات الإستقبال والإرسال، ليطير بذلك الصاروخ إلى المحطة الفضائية (مصر 2020)، التى يرأسها العالم الدكتور (ممتاز ممتاز)، لتخبره المحطة الأرضية بتوظيف الغفيرين والشاويش، الذى أكتشف أنه كان نائمًا فى الصاروخ لحظة إنطلاقه للمهمة العلمية التى يقوم بها الدكتور (ممتاز)، وهى النزول على (كوكب سيكا) لعمل أبحاث عليه ليسلمها للأرض لتفيد العلم، وبالفعل يقوم الدكتور بتعليمهم كيفية الرصد والتسجيل وينزل على سطح الكوكب، ليكتشف معاناة يعيشها أهل هذا الكوكب، وهى أنهم لا يحركون أيديهم تمامًا، ويتعرف من خلال ملكة الكوكب وأخيها الأمير والحكيم على أزمتهم الأبدية، أملًا منهم فى حل مشكلتهم على يد الدكتور ومساعديه، وبالفعل يقوم الدكتور بعمل تحاليل وأبحاث على أهل الكوكب، ليكتشف أن مرضهم مرض نفسى بسبب عدم قيامهم بالعمل، ويكلف الشاويش والغفيران بتعليم أهل الكوكب الزراعة وتعريفهم بأهمية العمل، لتتغير ملامح الكوكب إلى البهجة والسرور، بعد نجاح هذا العالم المصرى من خلال علمه فى تحويل الكوكب إلى جنة خضراء، وعلاج أهله من الشلل، وذلك فى رسالة واضحة بأن مصر هى مصدرة العلم والحضارة للعالم أجمع، وأول شعب عرف الزراعة فى التاريخ .

ترفع المسرحية من قيمة العمل ومن أهمية العلم والمعرفة وأهمية مساعدة الغير، ورغم إطارها الكوميدي إلا أنها قدمت العديد من الحلول لمشاكل الواقع الراهن، كقيمة العمل، وتسليط الضوء على أن الإنتاج هو العامل الرئيس الذي يحتاجه المصريون الآن، ليخرجوا من أزمات الغلاء، وإرتفاع الأسعار، والإعتماد على الإستيراد، وإهمال الصناعة والزراعة المصرية.

قدم (عبده الزراع) نصًا جيدًا يتفق مع فلسفة الأطفال، وخاصة المرحلة العمرية وهى مرحلة الطفولة المتوسطة، وتبدأ من العام السادس حتى العام الحادي عشر، وتسمى مرحلة البطولة، وفيها يبدأ الطفل بالإنتقال من عالم الخيال إلى عالم أكثر واقعية، فيتكون لديه الإستعداد لمعرفة بعض المفاهيم المعقدة، ويصبح في ذات الوقت لديه قدرة على تحمل المسؤولية، والتحكم في إنفعالاته أكثر من السابق، وتستهوي الأطفال قصص الشجاعة والبطولة والمخاطرة والعنف، والحكايات البوليسية والمغامرات وقصص الرحالة والمكتشفين، سواء كانت حقيقية أم خيالية، ويلاحظ أنهم يستمتعون بمشاهدة العروض المسرحية الأكثر تركيبًا، والحوادث الأكثر تشابكًا، حيث تتحقق إلى حد ما رؤية واضحة لما يحدث على المسرح، كذلك فإن طفل هذه المرحلة يمكن أن تستهويه المسرحية الطويلة، ذات المناظر الكثيرة والتي تنتهي نهاية سعيدة، بانتصار البطل والخير على الشر من خلال خياله الخصب وما يحويه من أفكار ودروس تربوية .

وفق (عبده الزراع) أيضًا فى تقديم الشخصيات والنماذج البطولية فى هذا النص، إذ يمكن قراءة ذلك من أسماء الشخصيات فهى دالة على طبيعة الشخصية، فشخصية العالم أسماها (ممتاز ممتاز)، وفى ذلك إشارة لما تمتلكه هذه الشخصيات من تفوق وعلم، كما عمد إلى بعض الشخصيات والنماذج البطولية التى يحبها الأطفال، لما لها من طرافة وظرافة مثل الغفيرين (محمدين)، و(حسانين)، ومعهم الشاويش (حسان)، والمعروف فى أذهان الجميع أن صور تلك الشخصيات والنماذج دائمًا ما تتصف بروح الفكاهة، وتعتبر تلك الشخصيات والنماذج هى البطل فى هذا العمل، ومن خلالها استطاع أن يوجه عدة مبادى وقيم هامة إلى الطفل .

استطاع أيضًا (عبده الزراع) أن يقدم نصه من خلال حوارات بسيطة ورشيقة تنقل الحدث بشكل مباشر دون إطالة أو ملل، مع التركيز دائمًا على الرسائل التربوية، التى تساهم فى تعديل سلوك الأطفال دون مباشرة فجة أو درس مباشر، وعليه يرى الباحث أن (عبده الزراع) وفق فى الجمع بين المتعة والتشويق، والحوار الذى يحمل فى جعبته روح الفكاهة، والصور القريبة جدًا من الأطفال للشخصيات والنماذج البطولية، وفى نفس الوقت جمع ما بين الحوار الجيد، والأثر الذى يتركه فى نفوس الأطفال، وهذه أهم مقومات مسرح الأطفال الناجح .

رغم تعدد مشاهد النص وأماكن الأحداث، إلا أن المؤلف (عبده الزراع) نجح فى تقديم بناءًا دراميًا متماسكًا، وقد اعتنى بالمرحلة العمرية المقدم إليها العمل، وهى مرحلة البطولة والإنتقال إلى الواقعية، فقام بتقديم نص يتناسب ومستوى هذه الفئة, إذ جاءت فكرة المسرحية واضحة وبسيطة، ومشتملة على أبعاد تربوية وتثقيفية هادفة ومشوقة في آن واحدٍ، جاءت كلها مناسبة مع سمات هذه الفئة التي تتميز بقدرتها على معرفة بعض المفاهيم المعقدة، واستعدادها على تحمل المسؤولية، فقد نمت فكرة المسرحية هذا النوع من التوجيه التربوي والإجتماعي والوطنى، كما توافر فى النص من القيم الأخلاقية العليا، مثل المصابرة وحب العلم والتعليم، والعمل والإجتهاد، والطموح وإنكار الذات، ومحاولة إفادة المجتمع، وبذلك قدم (عبده الزراع) وجبة تعليمية وتثقيفية وتنويرية للطفل عبر المسرح .

تميز الحوار فى (كوكب سيكا) عند (عبده الزراع) بتلقائيته وبساطته وخلوه من التصنع والإفتعال، وقد جاء معبرًا عن صورة الشخصيات المسرحية وملامحها وصفاتها، من خلال العلاقة الحوارية المتبادلة بين الشخصيات، وتميزت تلك الشخصيات المسرحية بالطابع الإنساني، بما يتفق وواقعية فكرة النص التي تتطلب شخصيات إنسانية، كما تنوعت هذه الشخصيات بسلوكها وفقًا لمرجعياتها النفسية والإجتماعية والثقافية، إضافة إلى أن لغة النص تميزت ببساطة تراكيبها اللغوية ووضوحها وترابطها بأسلوب ممتع ومشوق, فقد عنى المؤلف (عبده الزراع) إلى صياغة النص بلغة تتناسب ومستوى الفئة العمرية الموجه لها .

جاءت فكرة النص واضحة وبسيطة ومنسجمة مع سمات الفئة العمرية الموجه لها، والتي تتميز بنمو المتعلم فيها وإزدياد خبرته، ووعيه بمشكلات الحياة والمجتمع، والتي تتطلب معالجات قائمة على التفكير الإستدلالي، فاشتملت الفكرة على موضوعات محملة بمجمعة من القيم العليا، أيضًا جاء الحوار معبرًا عن طبيعة الحدث الدرامي، ومجسدًا لملامح صورة شخصيات المسرحية، التي تميزت بطابعها الإنساني، وخاليًا من التراكيب اللغوية المعقدة، فقد سعى المؤلف (عبده الزراع) إلى مخاطبة الفئة المستهدفة من نصه، بأسلوب ممتع ومشوق يخلو من التصنع والإفتعال، كذلك سعى المؤلف (عبده الزراع) لان تكون صورة شخصيات المسرحية منسجمة مع طبيعة الفكرة، وعلى الرغم من عدد الشخصيات الذي دفع به المؤلف (عبده الزراع) في نصه (كوكب سيكا)، إلا أنه سعى لأن تكون هذه الشخصيات سواء الرئيسة منها أو الثانوية فاعلة ومؤثرة، ما حقق فى لغة النص وحدة أدائية متظافرة مع خط الحدث الدرامي، أى البداية والوسط والنهاية بانسجام وتوافق، فخرج النص هادفًا تربويًا ينم عن نوع من التوجيه التربوي والاجتماعي .

نجح المؤلف (عبده الزراع) فى تكوين منطقية ومعقولية للأحداث، إذ أن هناك فى النص تمهيد وبداية للأحداث ثم تنامى لأفعال درامية وصل بها لمرحلة فعل الذروة، وهو ما يعرف (كليمكس)، ثم أفعال أحداث درامية ومسرحية تخفف من التصاعد الدرامى للأحداث، حتى نصل إلى نهاية المسرحية، كما نجح أيضًا فى بناء صراع متصاعد وأحداث مركبة، كما قدم حبكة محكمة تعتمد علي التتابع الحتمي والمنطقى للأحداث، ممزوج بمنظوره الفكري .

قدم (عبده الزراع) فى (كوكب سيكا) حوارًا يتسم بقصر الجمل المتبادل بين شخصيات نصه، مما أسهم فى زيادة الإيقاع، أيضًا استخدام الشعر فى الحوار قام بإثراء المعانى الدلالية، وعليه فإن الحوار شارك بفعالية فى إعطاء شعورًا بصورة وسمات وصفات كل شخصية فى النص، بأبعادها المتعددة سواء أكانت الفسيولوجية أو كانت السيسيولوجية، أو السيكولوجية .

كسر (عبده الزراع) فى نصه (كوكب سيكا) فكرة التوقع لدى المتلقى، والمتلقى إذا كان طفلًا خاصة فيما يتعلق بأفق التوقع، فبمجرد أن يعرف المتلقى أن النص يدور حول شخصيات يعرف صورتها جيدًا مثل الغفرين والشاويش والدكتور / العالم ومجموعة أقزام، فسيسير توقعه فى الإتجاه السهل، بأنه نص كوميدى ستقدم شخصياته مواقف كوميدية ساخرة، بينما ستكون الشخصية الوحيدة التى تحمل إتزان هى شخصية الدكتور، لكن ذلك لم يحدث وفق هذا النمط، ولكن ما حدث هو شيء آخر، إذ اعتمد (عبده الزراع) فى النص على الغور فى تفاصيل أكثر لتوجيه المتلقى المستهدف من الأطفال، إلى مجموعة من القيم السامية أهمها قيمة العمل بشكل غير مباشر، لذا فالنص يغوص فى أغوار المتلقى الطفل المستهدف، باحثًا من خلال دلالات نفسية وبأسلوب كوميدى عن توصيل الهدف، ومجموعة القيم المقصود غرسها فى نفوس الأطفال، كما إن النص استطاع فى بعض اللحظات أن يلامس الوضع الراهن، من خلال إعلاء قيمة العمل وما يؤدى إليه من رخاء إقتصادى، بعيدًا عن الإعتاد على التواكل والإستيراد والذى يؤدى إلى انهيار إقتصاديات الأمم، وكل هذا من خلال المزج بين الواقع والخيال فى إطار من الكوميديا الهادفة .

استجلب واستفاد (عبده الزراع) فى نصه (كوكب سيكا) من منهج الكوميديا (دى لارتى) الإيطالية، فى بنائه للملامح الخارجية لبعض شخوصه الدرامية، مثل شخصية الشاويش والغفرين والدكتور العالم مثلًا، من حيث حالة المبالغة فى تصوير بعض المواقف واللحظات بحس كوميدى ساخر، وعمل علي خلق حالة مرئية تشكلت جمالياتها بتضافر عدة عناصر معًا، منها إستخدام صورة الشخصيات المخزنة فى ذاكرة المتلقى لبناء تكوينات جمالية متوالية الظهور تكوينًا بعد الآخر .

تعددت صور البطولة عند (عبده الزراع) فى نصه (كوكب سيكا)، فصورة العالم / الدكتور (ممتاز ممتاز)، تمثل صورة ونمط تقديم البطل كصاحب دور إيجابى فى المجتمع، وهو ما جسدته أحداث نص (كوكب سيكا)، فالدكتور (ممتاز ممتاز) نموذج لصورة البطل صاحب الدور الإيجابى، الذى يتميز بمواقفه الإيجابية، وهو شخص ذكي ومتحمس، ويتخذ قرارته بعقلانية شديدة، بأسلوب مهذب ومقبول، وهو شخص هادئ وبشوش، يحب الخير، وهو أيضًا شخص صالح مفيد لمجتمعه ولواقعه، فهو نموذج مفيد وصالح أينما كان وكيف يكون، كما جاءت أيضًا صورة الدكتور (ممتاز ممتاز) كنموذج لصورة المصلح الإجتماعى مزيل الصعاب، مساهم فى حل المشكلات المجتمعية، وهو ما يتضح فيما فعله مع سكان (كوكب سيكا)، كما جاء أيضًا الدكتور (ممتاز ممتاز) فى صورة البطل كفاعل خير وهو ما يوضحه (عبده الزراع) فى نصه، إذ استطاع (ممتاز ممتاز) أن ينقذ مملكة (كوكب سيكا) مما أصابهم، وأعاد لهم الحياة والرخاء والأمل .

قدم أيضًا (عبده الزراع) فى نصه (كوكب سيكا) صور أخرى اعتاد عليها المتلقى، وهى صور شخصيات الغفيرين (محمدين)، و(حسانين)، والشاويش (حسان)، وهى أنواع وشخصيات حُفرة صورها فى أذهان العامة، بل وتكاد تكون تلك الشخصيات تُقدم بأنماط محفوظة فى أذهان الجميع، إذ تتسم دائمًا تلك الشخصيات بالفكاهة والطرافة وكوميديا الموقف، إلا أن (عبده الزراع) أصبغ عليها فى (كوكب سيكا) أنماطًا وصورًا إضافية، إذ جاءت صور تلك الشخصيات لتجسد أنماط وصور من البطولة جديدة، فجاءت تحمل نمط الأبطال ذات الدور الإيجابى، وكفاعلة للخير، ومساهمة فى علاج مشكلات مجتمعية، إذ قاموا بتعليم أهل البلد الزراعة فعم الخير، كما قدم أيضًا (عبده الزراع) شخصية (الحكيم) ليمثل نمط وصورة البطل كواعظ أخلاقى وكذلك كمصلح جتماعى .

وعليه يمكن القول أن (كوكب سيكا) للكاتب والشاعر الكبير (عبد الزراع) نموذجًا يحتذى به فى أدب الطفل، وهو نص يمكن للباحثين تناوله من عدة اتجاهات علمية أخرى، وليس على مستوى صورة البطل فحسب، فالنص محمل بالكثير والكثير مما يفسح للباحثين فى البحث فى أغواره من عدة زوايا بحثية تختلف مواضيعها، لكنها تتفق فى النهاية أن (كوكب سيكا) نموذج لما يجب أن تكون عليه نصوص مسرح الطفل المعاصر .

شاهد أيضاً

أحمد سويلم فارس الكلمة في مسرح الطفل

بقلم : د. محمد جمال الدين يُعد الشاعر والكاتب المسرحي المصري أحمد سويلم قامة فنية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *