الأربعاء , يوليو 16 2025

نساء في الاسلام.. فاطمة بنت الخطاب: شقيقة الفاروق عمر

كتب مصطفى قطب

في شوارع مكة، وبين أعمدة الجاهلية الصامدة، كانت هناك امرأة تتستر بإيمانها، تخفي القرآن بين جدران بيتها وتخفي في قلبها حب الإسلام… إنها فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها، أخت عمر بن الخطاب، وأحد أولى النساء اللاتي آمنّ برسالة النبي محمد ﷺ.

 

فتاة من بيت عريق

 

ولدت فاطمة في بني عدي، عشيرة الخطاب المعروفة بشدتها وقوتها. لم تكن فاطمة امرأة عادية، بل كانت ذات رأي وعقل راجح، وتزوجت من سعيد بن زيد، أحد العشرة المبشرين بالجنة، فجمعهما بيت واحد على الإيمان والتقوى رغم بطش قريش.

 

الإسلام في الخفاء

 

عندما جاء الإسلام سرًا، كان فاطمة وزوجها سعيد من أوائل من دخلوا الدين الجديد في سرية تامة، وعهد إليهما الصحابي الجليل خباب بن الأرت أن يعلمهما القرآن سرًا.

 

في هذا الجو المكبوت، حيث يتهدد المسلمون بالخطر، كانت فاطمة تتلو آيات القرآن خفيةً، تحفظها عن ظهر قلب، وتُربِّي نفسها على معانيها العميقة.

 

اللحظة الفاصلة مع عمر

 

أما شقيقها عمر، فكان في ذلك الوقت من ألد أعداء الإسلام. بلغ من حقده أنه خرج ذات يوم يحمل سيفه قاصدًا قتل النبي محمد ﷺ. وفي الطريق، صادفه رجل من بني زهرة وأخبره أن أخته فاطمة وزوجها قد أسلما.

 

ثار عمر غضبًا، وبدلًا من الذهاب إلى النبي، توجه مباشرة إلى بيت فاطمة. وما إن دخل حتى سمع صوت القرآن يتلى، فصاح بأعلى صوته، واقتحم البيت، فضرب زوجها سعيد بن زيد، ثم أقبل على فاطمة وصفعها صفعة شجّت وجهها، فسقط الدم من جبينها.

 

لكن فاطمة رضي الله عنها لم تضعف. وقفت أمامه بشجاعة نادرة وقالت:

“نعم، قد أسلمنا وآمنا بالله وبرسوله، فاصنع ما بدا لك!”

 

هذه الكلمات القليلة هزت أعماق عمر، فنظر إلى الدم ينزف من وجه أخته، فاستحى وخجل.

 

ثم طلب أن يرى الصحيفة التي كانوا يقرؤون منها، لكنها رفضت أن تعطيه إياها حتى يغتسل. غسل عمر نفسه، ثم أخذ الصحيفة وبدأ يقرأ:

{طه (1) ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى (2)}…

 

ومضى يقرأ حتى وصل إلى:

{إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري}.

 

حينها صاح عمر قائلاً:

“دلوني على محمد!”.

 

إسلام عمر بن الخطاب

 

قادته فاطمة مع زوجها إلى دار الأرقم، حيث كان النبي ﷺ مختبئًا مع أصحابه. دخل عمر والسيف في يده، فظنه الصحابة قادمًا للبطش، لكن حين نطق بالشهادتين، علت التكبيرات، وخرج الإسلام إلى العلن بإسلام الفاروق.

 

لقد كانت فاطمة بنت الخطاب، بجرأتها وثباتها، هي السبب الأول الذي هز قلب أخيها، وكان دورها الباسل أحد أعظم مشاهد تمكين الإسلام.

 

عاشت فاطمة حياتها في ظلال الإسلام، ثابتة على الإيمان، وكان بيتها مدرسة للإيمان والصبر. ورغم أنها ليست من الصحابيات الكثيرات الذكر في السيرة، إلا أن موقفها مع شقيقها عمر، جعله منعطفًا تاريخيًا في مسيرة الإسلام كله.

 

قصة فاطمة بنت الخطاب تعلمنا:

 

أن المرأة يمكنها أن تكون سببًا في هداية أقوى الرجال.

 

أن الشجاعة الحقيقية هي التمسك بالإيمان حتى في وجه الخطر.

 

أن كلمة الحق قد تزلزل قلبًا كان حجرًا.

 

فاطمة بنت الخطاب، تلك الصحابية التي لم يُروَ عنها كثير من التفاصيل، تظل أحد أعمدة اللحظة الفارقة في تاريخ الإسلام. بدون شجاعتها وثباتها، ربما كان تأخر إسلام عمر سيحرم الدعوة من نصيرها الأقوى.

شاهد أيضاً

تاسوعاء وعاشوراء.. يومان من الرحمة والتجلي في ذاكرة الأمة الإسلامية

كتب مصطفى قطب في طيات شهر الله المحرم، تتجلى أيام عظيمة اختصها الله بفضلٍ وبركةٍ، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *