كتب مصطفى قطب
في تطور قضائي وأمني لافت يعكس تصعيدًا واضحًا في المواجهة الخفية بين طهران وتل أبيب، أعلنت السلطات القضائية الإيرانية صباح اليوم الأربعاء تنفيذ حكم الإعدام بحق ثلاثة متهمين بعد إدانتهم بالتجسس لصالح جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد”، وضلوعهم في تهريب معدات استخدمت لاحقًا في تنفيذ عمليات اغتيال داخل إيران.
وبحسب ما نقلته وكالة تسنيم الدولية للأنباء، فإن عملية الإعدام نُفذت داخل سجن مدينة أرومية الواقعة في شمال غرب البلاد، وذلك بعد مصادقة ديوان العدل الأعلى على الأحكام الصادرة بحق المدانين، ورفضه لطلبات الاستئناف المقدمة.
وذكرت السلطة القضائية الإيرانية أن المتهمين الثلاثة تمت محاكمتهم بتهم المحاربة والإفساد في الأرض، وهي من أخطر التهم في القانون الإيراني، وتُطبّق في الحالات التي يُعتبر فيها الشخص مهددًا لأمن الدولة واستقرارها، خاصة عند التعاون مع جهات أجنبية معادية.
وأشارت الهيئة القضائية إلى أن تنفيذ هذا الحكم يأتي في إطار ما وصفته بـ”الإجراءات الحاسمة لمواجهة العملاء والجواسيس الذين يسعون إلى زعزعة الأمن القومي”، في ظل تصاعد التوترات الإقليمية بين إيران وإسرائيل.
ووفق تفاصيل القضية، فإن التحقيقات كشفت عن وجود تواصل مباشر بين المتهمين الثلاثة وأحد كبار ضباط الموساد في إحدى الدول المجاورة، يُعتقد أنها استخدمت كنقطة انطلاق لعمليات التجنيد والتخطيط وتهريب المعدات.
وأوضحت التقارير أن المتهمين استغلوا غطاء شحنة مشروبات كحولية – وهي مواد محظورة قانونيًا داخل إيران – لتمرير معدات حساسة تُستخدم في عمليات اغتيال دقيقة، وقد تم بالفعل استخدام بعض هذه المعدات في حادثة اغتيال داخل الأراضي الإيرانية لم تُفصح السلطات بعد عن تفاصيلها الكاملة.
السلطات الإيرانية أكدت أن المتهمين نالوا محاكمات علنية وأمام القضاء المختص، وبحضور محامي الدفاع، حيث وُكل لكل متهم محامٍ خاص، فيما حصل بعضهم على محاميين طيلة الجلسات، وهو ما اعتبرته السلطات دليلاً على نزاهة الإجراءات القضائية.
وأفادت الهيئة أن الأدلة التي قُدّمت – وتشمل وثائق واتصالات وأجهزة مرسلة – كانت كافية لإثبات الصلات المباشرة بين المدانين والموساد، ما استوجب إصدار حكم الإعدام من المحكمة الثورية في أرومية، ثم المصادقة عليه لاحقًا من الجهات القضائية العليا.
وتأتي هذه القضية في سياق سلسلة من العمليات الاستخباراتية المتبادلة بين إيران وإسرائيل، إذ تتهم طهران تل أبيب بالوقوف وراء عدة عمليات اغتيال استهدفت علماء نوويين ومسؤولين أمنيين خلال السنوات الماضية، من أبرزهم محسن فخري زاده.
ويُعد هذا التنفيذ بمثابة رسالة تحذير حادة من طهران بأنها لن تتسامح مع أي نشاط استخباراتي معادٍ على أراضيها، لا سيما في ظل تصاعد التوترات العسكرية والسياسية، والانكشاف الكبير للشبكات التجسسية التي يُقال إن إسرائيل تديرها داخل العمق الإيراني.
حتى ساعة إعداد هذا التقرير، لم يصدر أي تعليق رسمي من الجانب الإسرائيلي بشأن تنفيذ أحكام الإعدام، أو بشأن الاتهامات الموجهة لـ”الموساد”. وكما جرت العادة، تلتزم تل أبيب سياسة الغموض البناء حيال عمليات استخباراتها الخارجية، لكنها لم تُخف في السابق سعيها المتواصل لعرقلة المشروع النووي الإيراني.
ويرى مراقبون أن هذه القضية قد تزيد من تعقيد المشهد الإقليمي، لا سيما بعد الضربات العسكرية الأخيرة المتبادلة بين البلدين، والتهديدات المستمرة من كلا الجانبين بالردّ على أي تصعيد محتمل.
على الصعيد الداخلي، لقي تنفيذ الأحكام دعمًا من التيار المحافظ في إيران، الذي يعتبر أن التعامل الحازم مع “عملاء العدو” هو السبيل الوحيد لحماية البلاد من الاختراقات الخارجية، في حين أبدى بعض الحقوقيين قلقهم من تسريع وتيرة المحاكمات في القضايا الأمنية دون كشف كافٍ للرأي العام حول التفاصيل.
ورغم ذلك، تصر الحكومة الإيرانية على أن أمن البلاد فوق كل اعتبار، وأن مواجهة “التجسس الصهيوني” هو قضية سيادة وطنية لا تقبل التهاون.
تبقى تداعيات هذه الخطوة مفتوحة على عدة سيناريوهات، فبينما تسعى طهران لتوجيه رسالة ردع قوية، فإن مراقبين لا يستبعدون أن تُقدم إسرائيل على ردّ استخباراتي غير مباشر، ما يهدد بانفجار جديد في ملف ظل مشتعلاً على نار هادئة منذ سنوات.
فهل تكون هذه الإعدامات فصلاً جديدًا من فصول “الحرب السرية” بين إيران والموساد؟ أم مجرد ردّ محدود في سياق لعبة استخباراتية أكبر؟ الإجابة قد تأتي قريبًا من الميدان، أو تبقى طيّ الكتمان.