كتب سيد بدران
في مشهدٍ بات متكررًا في محافظات مصر المختلفة، تنهار منازل فجأة على رؤوس قاطنيها، مخلفةً وراءها قتلى وجرحى وصرخات في الشوارع، وسط غياب واضح للردع الفوري والإصلاح الوقائي.
القلق يزحف إلى قلوب سكان المناطق القديمة، حيث الشقوق تتسلل إلى الجدران كما تتسلل الكارثة إلى الليالي الهادئة، وسط أسئلة ملحّة: من المسؤول؟ ولماذا يتكرر هذا المشهد؟ وهل العجز عن الرحيل مبررٌ كافٍ للبقاء تحت أنقاض متوقعة؟
المئات من العقارات الآيلة للسقوط ما زالت قائمة رغم صدور قرارات إزالة ضدها، ولكن السكان يرفضون مغادرتها في ظل غياب البديل المناسب، وهو ما يحوّلها إلى قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة.
بحسب ما رصدته نقابة المهندسين بالقاهرة، فإن ما بين عامي 2014 و2020 فقط، تم تسجيل 1000 حالة انهيار مبانٍ في مصر، خلفت أكثر من 500 وفاة، وما يزيد عن 1000 مصاب بإصابات خطيرة، دون أن يتغير الكثير على الأرض.
وخلال يونيو 2025 فقط، شهدت محافظتا القاهرة والإسكندرية 6 انهيارات مأساوية خلال أسبوع واحد، لتؤكد أن الخطر يتوسع والرقابة تغفو.
أولًا: التدخلات غير المدروسة
العديد من السكان أو الملاك يقومون بإزالة حوائط حاملة أو أعمدة أساسية، أو إجراء توسعات في الشقق بهدف زيادة المساحة دون الرجوع لمهندسين مختصين أو مراعاة التصميم الأصلي، مما يضعف البنية الإنشائية للعقار تدريجيًا حتى تنهار.
ثانيًا: تقادم المباني وغياب الصيانة
أغلب العقارات المنهارة تجاوزت أعمارها الإنشائية دون أي عمليات صيانة أو ترميم. البعض منها قائم على أساسات ضعيفة منذ البداية، وازداد تآكله مع الزمن بفعل المياه الجوفية وتسربات الصرف الصحي.
ثالثًا: تجاهل قرارات الإزالة وغياب الرقابة
رغم صدور آلاف قرارات الإزالة لعقارات تمثل خطرًا داهمًا، إلا أن تنفيذها يصطدم غالبًا بـ”عائق بشري”: سكان يرفضون المغادرة، وضعف بدائل الإسكان، وتقصير بعض الجهات المحلية في التنفيذ والمتابعة.
5000 مبنى مهدد بالانهيار في القاهرة فقط
2500 مبنى مهدد بالانهيار في الإسكندرية
مئات الشكاوى سنويًا من شقوق بالجدران أو ميول في العقارات، لا تُقابل بتحقيقات هندسية كافية.
أجمع المهندسون المختصون أن الأزمة لن تنتهي إلا من خلال:
1. إلزامية الفحص الفني للعقارات القديمة كل 5 سنوات.
2. تنفيذ قرارات الإزالة فورًا مع توفير بدائل سكنية كريمة.
3. تفعيل دور نقابة المهندسين في الرقابة على التعديلات داخل العقارات.
4. تدشين صندوق تمويل لترميم العقارات الآيلة للسقوط للفئات غير القادرة.
5. إطلاق حملات توعية بخطورة التعديلات العشوائية داخل الوحدات السكنية.
ورغم إدراك معظم السكان لخطورة العقارات التي يسكنونها، إلا أن الواقع الاقتصادي المرير يدفعهم للمجازفة بحياتهم وحياة أطفالهم، لأن خيار المغادرة يعني – في نظرهم – تشريدًا أو سكنًا عشوائيًا دون أمان.
قال أحد سكان عقار مهدد بالانهيار في شبرا:
> “أنا عارف إنه ممكن يقع فوقينا في أي وقت.. بس أروح فين؟ معنديش مكان تاني، ولو خرجت مش هلاقي بيت أعيش فيه”.
الانهيار لم يعد مفاجئًا، بل متوقعًا.
الشقوق تتحدث بصوتٍ أعلى من الصمت، والضحايا يزدادون عددًا كل شهر.
ما بين ضعف الرقابة، وغياب الصيانة، وسكوت التنفيذ، يبقى المواطن البسيط هو من يدفع الثمن الأعلى: حياته.
آن الأوان أن نتحرك بجرأة، فالأمر لم يعد يحتمل التأجيل.. لأن البيت الذي لا يسقط اليوم، قد يسقط غدًا.