كتب محمد نادر
في واقعة مؤلمة تكشف عن خلل واضح في تطبيق مبادئ العدالة الصحية، رفضت مستشفى أم المصريين التابعة لوزارة الصحة علاج سيدة مسنة تُدعى “هناء”، نُقلت إليها منذ أكثر من عشرين يومًا بعد تعرضها لحادث سير أسفر عن إصابتها بكسور في القدم، وذلك بزعم أنها تعاني من “مرض نفسي”، دون أي تدخل طبي فعلي أو حتى إجراء جراحة لتثبيت الكسور.
ووفقًا لمصادر طبية داخل المستشفى، فإن المريضة نُقلت بسيارة إسعاف إلى المستشفى في حالة حرجة، لكنها لم تكن تحمل أي أوراق تثبت هويتها، ما دفع إدارة المستشفى إلى رفض إجراء العمليات الجراحية اللازمة لها أو تقديم الرعاية الصحية، مكتفية بوصفها كمريضة “نفسية”، دون تقديم تشخيص واضح أو تقرير طبي يبرر هذا الادعاء.
وأضافت المصادر أن المريضة لا تتلقى أي نوع من الرعاية أو المتابعة داخل المستشفى، وتُركت وحيدة دون مرافقين أو محاولات جادة للتواصل مع ذويها، وهو ما تسبب في حالة من الغضب والتعاطف الشديد من قِبل المرضى الآخرين الذين شاهدوا تدهور حالتها دون تدخل يُذكر.
ما يزيد من فداحة الموقف أن المادة 18 من الدستور المصري تنص صراحة على حق كل مواطن في الرعاية الصحية المتكاملة وفقًا لمعايير الجودة، وتُلزم الدولة بتقديم العلاج في المستشفيات الحكومية لكل من يحتاجه، خصوصًا في الحالات الطارئة والحرجة، دون تمييز أو اشتراطات تعجيزية مثل حمل بطاقة هوية أو وجود مرافق.
وتأتي هذه الحادثة رغم تأكيدات الرئيس عبد الفتاح السيسي المتكررة على أهمية تيسير حصول المواطنين على خدمات طبية متميزة على نفقة الدولة، ورفع العبء عن كاهل الفئات الأكثر احتياجًا، خاصة كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة والمعدمين.
حالة “هناء” هي جرس إنذار يجب أن يُقرَع بقوة، ليس فقط لأنها تنتهك حقًا دستوريًا أصيلًا، بل لأنها تمثل خطرًا حقيقيًا على مبدأ الإنسانية الذي يُفترض أن يكون حجر الأساس في كل منشأة طبية.
وفي وقت تتجه فيه الدولة لتطوير المنظومة الصحية عبر مبادرات قومية كبرى مثل “حياة كريمة” و”التأمين الصحي الشامل”، فإن حالات الإهمال الفردي الجسيم مثل هذه تقوّض الثقة في النظام وتُظهِر الحاجة الماسة إلى رقابة صارمة ومحاسبة فورية لأي مسؤول يثبت تقصيره في أداء واجبه المهني والإنساني.
“هناء” لا تحتاج سوى سرير وعلاج وضمير حي.. فهل تجدهم داخل أسوار المستشفى الذي يفترض أن يكون ملاذًا لها؟