الأحد , يوليو 6 2025

الضربات الأمريكية “المدمرة” لإيران لم تُعطل منشآتها النووية المحصنة

كتب مصطفى قطب

في تطور لافت يعيد خلط الأوراق في ملف التصعيد الأمريكي الإيراني، كشفت تسريبات استخباراتية أمريكية جديدة أن الضربات الجوية التي نفذتها الولايات المتحدة مطلع الأسبوع الجاري ضد منشآت نووية إيرانية مدفونة في عمق الأرض، لم تحقق الأهداف الاستراتيجية المعلنة، على عكس ما صرح به الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حين وصفها بـ”المدمرة”.

 

وبحسب شبكة “سي إن إن”، فإن سبعة مصادر مطلعة على تقرير استخباراتي سري صادر عن وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية (DIA) أكدوا أن الضربات، التي نُفذت في إطار عملية عسكرية خاطفة، لم تؤدِّ إلى تدمير شامل للبنية التحتية النووية الإيرانية.

 

التقرير، الذي يستند إلى معلومات أولية مصدرها القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)، خلص إلى أن الهجمات – رغم دقتها وقوتها التدميرية – لم تصب جوهر المنشآت النووية الإيرانية بأضرار جسيمة، بسبب تحصين تلك المواقع على عمق كبير تحت الأرض، وهو ما شكل حاجزًا أمام فعالية الصواريخ الخارقة للتحصينات.

 

ووفقًا للتقييم، فإن الضربات ربما أعاقت البرنامج النووي الإيراني لفترة قصيرة، وأرجعته لبضعة أشهر فقط إلى الوراء، لكنها لم تُسقط القدرات الأساسية التي تمتلكها طهران لإعادة تشغيل تلك المنشآت أو تطوير بدائل لها بسرعة.

 

العملية استهدفت ثلاث منشآت نووية رئيسية في مناطق نائية بإيران، يُعتقد أنها تضم أجهزة طرد مركزي متطورة وعمليات تخصيب عالية المستوى. غير أن تحصين هذه المنشآت بتقنيات بناء متقدمة، وبمساعدة خبرات أجنبية وفق تقارير سابقة، حال دون اختراقها بشكل فعال.

 

وقال أحد المسؤولين المطلعين على التقرير إن “المنشآت صممت خصيصًا لتحمّل ضربات بهذا الحجم”، مضيفًا أن “إيران كانت تتوقع استهداف هذه المواقع، ولذلك أعدّت بنية تحتية يصعب تدميرها حتى بأقوى الأسلحة التقليدية”.

 

الإفصاح عن محدودية أثر الضربات الأمريكية يثير تساؤلات جدية حول فعالية الخيار العسكري في تعطيل برنامج إيران النووي، لا سيما في ظل تعثر المسار الدبلوماسي وتزايد الضغوط الداخلية على الإدارة الأمريكية لتقديم إنجاز ملموس في هذا الملف.

 

ورغم أن البيت الأبيض لم يصدر تعليقًا رسميًا على هذه التسريبات، إلا أن مراقبين يرون أن إدارة ترامب كانت تراهن على هذه الضربات كرسالة قوة لخصوم واشنطن، لكنها لم تحقق ردعًا استراتيجيا فعليًا.

 

من جانبها، التزمت إيران الصمت رسميًا إزاء تفاصيل الهجمات وتداعياتها، مكتفية بتأكيد سقوط قتلى في صفوف الحرس الثوري، دون الإشارة إلى أية خسائر مادية في المنشآت النووية. واعتبر بعض المحللين أن هذا الصمت قد يعكس رغبة إيرانية في إظهار تماسك الردع الدفاعي وعدم منح واشنطن انتصارًا دعائيًا.

 

وفي ظل عجز الضربات العسكرية عن حسم الموقف، تبقى إيران على ما يبدو ماضية في برنامجها النووي، معتمدة على استراتيجية “المراوغة التكتيكية” التي تمكّنها من امتصاص الضغط الدولي دون تقديم تنازلات حقيقية.

 

ويرى مراقبون أن ما وصفته التقارير بـ”الإخفاق النسبي” للضربات الأمريكية قد يدفع واشنطن وحلفاءها إلى إعادة تقييم أدوات المواجهة مع إيران، سواء عبر التصعيد أو العودة إلى طاولة المفاوضات بشروط جديدة، وربما أقل حدة.

 

رغم العناوين العريضة التي تصدّرت وسائل الإعلام الأمريكية حول “الضربات المدمرة”، تكشف التسريبات الجديدة واقعًا أكثر تعقيدًا: إيران نجت من ضربة موجعة، وحافظت على الجزء الأكبر من قدراتها النووية، مما يعيد طرح السؤال القديم-الجديد: هل يمكن للخيارات العسكرية وحدها أن توقف البرنامج النووي الإيراني؟

شاهد أيضاً

فيصل بن فرحان : العلاقات السعودية الروسية ركيزة للسلام والتقارب الحضاري

كتب مصطفى قطب في تأكيد جديد على متانة العلاقات بين الرياض وموسكو، أعرب وزير الخارجية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *