كتب مصطفى قطب
في مشهد يختلط فيه الدخان بالتصريحات والسخرية بالجدية، خرج الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، المعروف بإثارة الجدل داخليًا وخارجيًا، مطالبًا بـجائزة نوبل للسلام، بينما تشتعل التوترات في الشرق الأوسط نتيجة قراراته النارية وقصفه الأخير لمواقع إيرانية حساسة.
ففي الوقت الذي تنفجر فيه قنابل خارقة للتحصينات في عمق الأراضي الإيرانية، وتتبادل إسرائيل وإيران الاتهامات والنيران، يبدو أن ترامب قرر إطلاق قنبلة سياسية من نوع مختلف… قنبلة لفظية، مفادها: “أريد نوبل للسلام!”
لم تمر 48 ساعة على إعلان القوات الأمريكية تنفيذ ضربات جوية ضد منشآت إيرانية “محمية بعمق الأرض”، حتى خرج ترامب في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض ليقول للصحفيين بلهجة ساخرة:
“أنا غير سعيد بما فعلته إيران وإسرائيل… لقد فرضت عليهم وقف إطلاق النار، وكان عليهم احترامه!”
تصريح حمل نبرة الزهو الشخصي من جهة، واتهام ضمني بتقويض جهوده “السلامية” من جهة أخرى، لينهيه ترامب بمطالبة ضمنية بجائزة نوبل، على غرار ما فعله سابقًا عندما ادعى أنه كان “الأحق” بالجائزة أكثر من أي رئيس أمريكي آخر.
يبقى السؤال الذي حير المتابعين في واشنطن والعالم:
“هل يُمنح وسام السلام لمن يقرع طبول الحرب؟ وهل يُكافأ من يبتز الأطراف الإقليمية بالقوة؟”
الإجابة تبدو أكثر تعقيدًا عندما نعلم أن ترامب نفسه كان قد لمح سابقًا إلى إمكانية شن ضربات نووية محدودة ضد إيران “إن لزم الأمر”، وهو ما يُظهر تناقضًا صارخًا بين شعارات السلام وتحركات التصعيد العسكري.
وبينما تتصاعد تصريحات ترامب دوليًا، فإن عدوى الخطاب الصاخب امتدت إلى الداخل الأمريكي. حيث ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن جلسات الكونجرس باتت “حلبات تراشق لفظي” بين الجمهوريين والديمقراطيين، بأسلوب يصفه المراقبون بأنه “ترامبيّ بامتياز”، وصل حد استخدام ألفاظ نابية على الهواء.
ترامب، الذي يواجه تحقيقات تتعلق بمحاولة قلب نتائج الانتخابات وتخزين وثائق سرية، لم يتردد في نعت هذه التحقيقات بـ”الهراء الكامل”، واصفًا خصومه السياسيين بـ”العدميين”.
يرى محللون أن ترامب يسعى إلى استعادة الأضواء الانتخابية قبيل انتخابات 2025 عبر ملف السلام، وهو الذي حاول سابقًا اللعب على وتر “اتفاقات إبراهيم” لتلميع صورته دوليًا، رغم فشل هذه الاتفاقات في تهدئة التوترات العميقة بالمنطقة.
وفي المقابل، فإن سعيه المحموم للظهور كـ”رجل السلام” يُقابل بسخرية واسعة في الأوساط الدبلوماسية، التي ترى أن السلام لا يُفرض بالقوة، ولا يُكافأ بالقنابل.
إن مطالبة دونالد ترامب بجائزة نوبل للسلام، في وقت تقطر فيه التصريحات السياسية بالحرب، وتُقصف فيه المدن بضوء أخضر أمريكي، تفتح الباب أمام تساؤلات أخلاقية عميقة حول معايير منح الجوائز الدولية.
فهل بات السلام يُقاس بعدد الضربات الناجحة؟ أم بعدد الكلمات الصاخبة التي تُقال في المؤتمرات الصحفية؟