كتب مصطفى قطب
في صفحات السيرة النبوية، تطل علينا رُقيّة بنت رسول الله محمد ﷺ، كواحدة من النساء اللاتي نقشن أسماءهن في ذاكرة الإسلام المبكر، لا فقط بنَسبهنّ الشريف، بل بما قدّمن من ثبات وصبر وإخلاص للإيمان في أصعب اللحظات.
نسبها ونشأتها:
رُقيّة هي ابنة النبي محمد ﷺ من السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، ولدت في مكة المكرمة قبل البعثة المحمدية بزمن، ونشأت في بيت طاهر، كريم، أساسه الأخلاق والصدق. تعلمت رُقيّة منذ نعومة أظافرها معاني الرحمة والتواضع من أبيها، الذي كان يُعرف بين قومه بالصادق الأمين.
زواجها من عثمان بن عفّان:
كانت رُقيّة زوجة للصحابي الجليل عثمان بن عفّان رضي الله عنه، ثالث الخلفاء الراشدين. وقد اجتمع له شرف الصحبة والمصاهرة، إذ لُقّب بـ”ذو النورين” لأنه تزوج اثنتين من بنات النبي ﷺ، رُقيّة ثم أم كلثوم بعد وفاتها.
كان زواجهما مثالًا للسكينة والمودة، وقد جمعت بينهما أواصر الحب العفيف، وكانا نعم الزوجين في الإسلام. وقد شاركت رُقيّة زوجها الهجرة الأولى إلى الحبشة فرارًا بدينها، ثم عادت إلى مكة ثم هاجرت إلى المدينة.
ابتلاءها وصبرها:
عاشت رُقيّة في كنف الإسلام في زمن الاضطهاد، وتحملت أعباء الغربة والهجرة والمرض. ومع اقتراب معركة بدر الكبرى، اشتدّ بها المرض، فجلس عثمان رضي الله عنه في المدينة بأمر النبي ﷺ ليعتني بها.
وتوفيت رُقيّة رضي الله عنها في السنة الثانية للهجرة، في نفس وقت معركة بدر، عن عمر يناهز 22 عامًا، ودفنت في البقيع. وحين عاد النبي ﷺ من بدر، وجد ابنته قد رحلت إلى الرفيق الأعلى، فذرفت عيناه حزنًا، وقال كلمات مؤثرة تشير إلى مدى حبه لها وصبره على الفقد.
أثرها في الإسلام:
رُقيّة لم تكن مجرد ابنة نبي أو زوجة لصحابي، بل كانت رمزًا للمرأة المؤمنة التي ثبتت رغم الابتلاءات. هجرتها، صبرها، دعمها لزوجها، ومواقفها الصامتة القوية، تُعد درسًا لكل امرأة مسلمة في العطاء بصمت والثبات بالإيمان.
رُقيّة بنت رسول الله ﷺ، زهرة نبتت في روضة النبوة، وسُقيت بماء الإيمان، ولم تعش طويلًا، لكنها تركت أثرًا خالدًا. كانت مثالًا للمرأة الصابرة، الوفية، التي ظلت تحمل مشعل الإيمان في يد، وتشد على صبرها باليد الأخرى.