كتب مصطفى قطب
رصدت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، في عددها الصادر اليوم الأربعاء، ملامح العودة التدريجية للحياة في العاصمة الإيرانية طهران، وذلك بعد وقف إطلاق النار الهش الذي أنهى 12 يومًا من القصف الإسرائيلي العنيف الذي شلّ المدينة بالكامل، وأجبر سكانها على الهروب والاحتماء في الملاجئ.
وقالت الصحيفة إن شوارع طهران بدأت تستعيد حيويتها منذ صباح اليوم، حيث فتحت المحال التجارية أبوابها مجددًا، وعادت بعض الخدمات الأساسية تدريجيًا، فيما بدأ المواطنون في العودة إلى مساكنهم ومزاولة حياتهم، وإن كان ذلك بحذر شديد. وكانت المدينة، التي يقطنها قرابة 10 ملايين نسمة، قد تحوّلت إلى مدينة أشباح خلال أيام القصف.
ورصد مراسل الصحيفة في طهران عودة الأنشطة الاقتصادية على استحياء، من صالونات التجميل وعيادات الأسنان إلى محال الحلويات والبقالة، والتي عمدت إلى إرسال رسائل نصية لزبائنها للإبلاغ عن استئناف العمل.
أحد أصحاب المحلات، “مرتضى”، الذي يمتلك متجرًا لبيع الألبان غرب العاصمة، قال للصحيفة:
“بدأ الزبائن يتوافدون اليوم، لكن الحركة ما زالت ضعيفة جدًا. نأمل أن تعود الأمور إلى طبيعتها مع الأيام القادمة.”
كما أعيد فتح المراكز التجارية والمولات، وعاد الزحام تدريجيًا إلى الشوارع التي كانت خاوية إلا من أصوات الانفجارات والطائرات في الأيام الماضية.
وبدأ مقهى شهير في شمال طهران باستقبال الزبائن، لكن ضمن ساعات عمل محدودة نظرًا للظروف العامة، فيما استُعيد الاتصال بالإنترنت بعد انقطاع شامل شلّ البلاد لمدة أيام، ما يعكس تحسنًا نسبيًا في الوضع العام.
رغم توقف القصف، لم تخلُ أجواء طهران من الكآبة، وفق وصف التقرير، إذ لا تزال سحب الغبار والدخان الناتجة عن القصف الإسرائيلي الكثيف تخيّم على المدينة، في مشهد يلخص آثار 12 يومًا من العنف والتدمير.
وأشارت الصحيفة إلى أن الضربات الجوية الإسرائيلية بدأت في 13 يونيو الجاري، وأسفرت عن مقتل أكثر من اثني عشر قائدًا عسكريًا إيرانيًا وعلماء في مجالات نووية حساسة، مما شكّل ضربة موجعة لطهران، وأدى إلى استهداف مواقع استراتيجية من بينها مقار عسكرية، مبنى التلفزيون الرسمي، أحد السجون الكبرى، إضافة إلى مئات المنازل السكنية.
وبحسب التقرير، فإن وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه لا يزال هشًا وغير مضمون، ما يدفع السكان للتريث في استئناف حياتهم بشكل كامل. ففي الوقت الذي بدأت فيه الحركة تعود، لا تزال المخاوف الأمنية حاضرة بشدة، وسط تكهنات بعودة التصعيد في أي لحظة.
ورغم ذلك، فإن عودة السكان ولو تدريجيًا إلى مدينتهم، ومباشرتهم لبعض الأنشطة الاقتصادية اليومية، تُعد إشارة رمزية على صمود المدينة ورغبة شعبها في الحياة، رغم ما تعرضت له من دمار نفسي ومادي كبير.
أظهرت صور نشرتها الصحيفة أحياء كاملة وقد بدت مدمّرة جزئيًا أو كليًا، بينما ظهر أطفال يلعبون أمام أنقاض منازلهم في مشهد مؤلم يعكس تناقضات ما بعد الحرب. كما أُبلغ عن طوابير أمام مراكز توزيع الإعانات التي بدأت الحكومة الإيرانية في إقامتها لتوفير الأساسيات للعائدين.
في الوقت نفسه، قال مراقبون للصحيفة إن عودة الإنترنت والحركة التجارية، حتى وإن كانت محدودة، تشير إلى رغبة النظام في طمأنة الداخل وإرسال رسالة للخارج بأن العاصمة ما زالت قائمة، رغم الخسائر البشرية والعسكرية والاقتصادية الهائلة.
تؤكد “فاينانشيال تايمز” أن ما تعيشه طهران اليوم هو مرحلة “ما بعد الانفجار”، حيث تختلط الأنقاض بالأمل، والخوف بالحياة، والركام بالإرادة. ومع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، تبقى الأنظار معلقة على قدرة العاصمة الإيرانية على النهوض من جديد، ومواجهة تداعيات أسوأ حرب تتعرض لها منذ سنوات.