كتب مصطفى قطب
في خطوة مفاجئة فجّرت انقسامًا حادًا داخل الحزب الديمقراطي، حاول النائب آل جرين دفع مجلس النواب الأمريكي لعزل الرئيس السابق دونالد ترامب، بعد قراره بشن ضربات عسكرية ضد منشآت نووية إيرانية دون الرجوع إلى الكونغرس. لكن المحاولة اصطدمت بجدار صلب من الرفض الحزبي والاتهامات بـ”التهور” و”عدم المسؤولية”، مما كشف حجم التوتر داخل صفوف الديمقراطيين في لحظة سياسية شديدة الحساسية.
شهدت جلسة الثلاثاء تصويتًا مثيرًا للجدل في مجلس النواب الأمريكي، حيث تقدم آل جرين بمشروع قرار يطالب بعزل ترامب، على خلفية قراره بشن الضربات دون تفويض تشريعي. ومع ذلك، صوت 128 نائبًا ديمقراطيًا إلى جانب الجمهوريين لرفض المشروع، من بينهم شخصيات بارزة مثل زعيم الأقلية حكيم جيفريز ورئيسة المجلس الفخرية نانسي بيلوسي.
في المقابل، لم يؤيد القرار سوى 79 نائبًا، معظمهم من الجناح التقدمي للحزب الذين يمثلون دوائر انتخابية آمنة، وفق ما نقلته وكالة “أكسيوس”. وقد اعتبر المراقبون أن هذه النتيجة بمثابة “سحب الثقة الداخلي” من مبادرة آل جرين.
الخطوة لم تمر مرور الكرام داخل الحزب الديمقراطي، حيث عبر عدد كبير من النواب عن امتعاضهم الشديد من توقيت ومضمون التصويت. وصرّح أحد النواب بأن القرار “غير جدي وأناني تمامًا”، في حين أبدى آخرون انزعاجهم من ما وصفوه بـ”الزج بالحزب في مواجهة داخلية لا ضرورة لها”.
وقال أحد النواب الغاضبين: “القيادة تشعر بالإحباط لأننا نواجه تحديات ضخمة، وهذه الخطوة وضعتنا في موقف صعب أمام قواعدنا الشعبية والناخبين الوسطيين على حد سواء”. وأضاف آخر: “الأمر يتعلق بالرسائل التي نرسلها للعالم… كيف يمكن أن نفكر بعزل الرئيس بعد تنفيذ عمل عسكري كبير؟”.
تصويت العزل جاء في وقت حساس، حيث لا تزال أصداء الضربات العسكرية على إيران تتردد داخل وخارج الولايات المتحدة. وأشار النائب جاريد موسكوفيتز إلى أن التحرك قد يُفهم على أنه “تقويض للمصداقية الأمريكية”، قائلاً: “يا لها من رسالة نرسلها إلى الصين وروسيا… نحن نُعاقب رئيسنا بعد عملية عسكرية؟”.
كما أثار عدد من النواب إشكاليات دستورية حول مدى صلاحية الكونغرس في عزل رئيس سابق على خلفية قرار عسكري، في حين رأى آخرون أن القرار سيسقط سريعًا في المحاكم إن تمت متابعته قانونيًا، واصفين التوقيت بأنه “سابق لأوانه وغير ناضج سياسيًا”.
رغم العاصفة التي أثارها، تمسك النائب آل جرين بموقفه ودافع بشراسة عن مشروعه، مؤكدًا أنه لم يشعر “بذرة ندم”. وفي تصريحات لـ”أكسيوس”، قال: “هذه مسألة مبدئية… هل يُعقل أن نسمح لأي رئيس باتخاذ قرار بإدخال أمريكا في حرب من دون العودة إلى ممثلي الشعب؟”.
وأشار جرين إلى أن مشروعه المؤلف من خمس صفحات يستند إلى مبدأ دستوري راسخ هو الفصل بين السلطات، متهمًا ترامب بـ”اغتصاب سلطة إعلان الحرب”، ومحذرًا من مخاطر التغاضي عن سلوكيات مماثلة في المستقبل.
ورغم الرفض الواسع، تلقى جرين دعمًا من بعض نواب التيار التقدمي داخل الحزب، مثل النائبة إميلي راندال التي قالت: “قد لا ينجح القرار، لكن واجبنا الأخلاقي يحتم علينا تسجيل موقف”. كما أشار النائب شري ثانيدار إلى أن “هذا الرئيس تجاوز الحدود مرارًا، ويجب أن يُحاكم”.
لكن هذه الأصوات ظلت محصورة داخل معسكر محدود، فيما بدا أن القاعدة العريضة للحزب تميل إلى مقاربة أكثر حذرًا، توازن بين المواقف المبدئية والاعتبارات الانتخابية والواقعية السياسية.
المحاولة الفاشلة لعزل ترامب لم تُسقط فقط مشروع القرار، بل كشفت كذلك عن تصدعات داخل الحزب الديمقراطي، الذي لا يزال يعاني من الانقسامات بين التيارين التقدمي والمعتدل. وجاء هذا الجدل في وقت يحاول فيه الحزب التركيز على ملفات أكثر إلحاحًا، مثل الاقتصاد والسياسة الخارجية، استعدادًا للانتخابات المقبلة.
وبينما تُجمع أغلب الأصوات داخل الحزب على رفض ممارسات ترامب، يختلف الكثيرون على الأساليب والوسائل. وتبقى الأسئلة معلقة: هل يتجه الحزب الديمقراطي نحو المزيد من الانقسام؟ وهل سيكون لهذا التصويت تداعيات على الانتخابات الرئاسية المقبلة؟