كتب مصطفى قطب
في سجل الصحابة العظام، يبرز اسم الزبير بن العوام كأحد الفرسان الشجعان، وأول من سل سيفه في الإسلام، وبطل من أبطال العقيدة الذين حملوا راية الحق منذ بزوغ نور النبوة، وسطروا أعظم صور الفداء والتضحية في سبيل الله ورسوله ﷺ.
نسبه ومكانته
الزبير بن العوام القرشي الأسدي، ابن عمة رسول الله ﷺ صفية بنت عبد المطلب، وأحد العشرة المبشرين بالجنة. وُلد في مكة قبل البعثة النبوية بقرابة 28 عامًا، ونشأ في كنف أسرته المرموقة التي كان لها أثر كبير في تربيته على الشجاعة والكرامة.
اعتنق الإسلام وهو في سن مبكرة، وكان من السابقين الأولين، حيث أسلم على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه. ومنذ اللحظة الأولى، حمل الزبير لواء الدعوة والجهاد، وجعل من حياته نموذجًا للفروسية والإيمان.
أول سيف سُل في الإسلام
يُعد الزبير أول من سل سيفه لنصرة النبي ﷺ، حين انتشر خبر – كاذب – أن النبي قد أُوذي أو قُتل، فما كان منه إلا أن استل سيفه وركض في طرقات مكة يبحث عن رسول الله ﷺ ليدافع عنه. ولما رآه النبي مبتسمًا، قال له: «ما لك يا زبير؟» قال: “بلغني أنك أُخذت يا رسول الله”، فدعا له بالخير وبارك سيفه.
الزبير في المعارك الكبرى
شارك الزبير في جميع الغزوات مع رسول الله ﷺ، وكان من القادة في غزوة بدر، وأظهر شجاعة نادرة في غزوة أحد حين دافع عن النبي ﷺ دفاع الأبطال. وفي غزوة الأحزاب، كان من أوائل المتطوعين الذين اقتحموا صفوف الأعداء بثبات وإيمان.
وكان أحد القادة في فتح مكة، وأحد الستة الذين اختارهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه لتشكيل الشورى لاختيار الخليفة من بعده، ما يدل على مكانته العالية في الإسلام.
سيرته بعد وفاة النبي ﷺ
استمر الزبير في الدفاع عن مبادئ الإسلام بعد وفاة النبي ﷺ، وكان من أوفى الصحابة لخلافة أبي بكر وعمر وعثمان، رضي الله عنهم جميعًا. كما كان مقرّبًا من الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، رغم اختلاف المواقف السياسية في بعض الفترات، إلا أن الودّ والاحترام لم ينقطعا.
وقد قال فيه النبي ﷺ: «إن لكل نبي حواريًّا، وحواريي الزبير». والحواري هو الناصر الوفيّ، وهذا شرف عظيم قلّ أن ناله أحد.
استشهاده وموقفه الأخير
في معركة الجمل، التي وقعت نتيجة فتنة كبرى، خرج الزبير بن العوام إلى ساحة القتال، لكنه انسحب عندما تذكر حديث النبي ﷺ الذي حذره من القتال مع علي بن أبي طالب، فآثر السلامة وسحب نفسه من النزاع. لكنه قُتل غدرًا وهو في طريق العودة، شهيدًا على نبل موقفه وزهده في الفتنة.
دروس وعبر من سيرته
الزبير بن العوام كان نموذجًا متكاملًا للفارس، المؤمن، التقي، الصادق، الوفي. لم يكن مجرد محارب، بل كان رجلًا ذا بصيرة وإيمان عميق، يزن الأمور بميزان الحكمة، ويتحرك بدافع العقيدة لا الطمع.
من سيرته نتعلم:
الشجاعة في نصرة الحق.
الوفاء بالعهد والولاء للمبدأ.
تجنب الفتن والرجوع إلى نصوص النبي ﷺ عند الشك.
أن البطولة لا تُقاس فقط بالقوة، بل بالحكمة والإخلاص لله.
يبقى الزبير بن العوام علامة مضيئة في تاريخ الإسلام، وفارسًا من فرسان الجنة، يستحق أن نستلهم من سيرته القوة والثبات، وأن نُعلّم أبناءنا قصته ليكونوا رجالًا في زمن نحتاج فيه إلى القدوة والرجال.
رحم الله الزبير بن العوام، حواري رسول الله ﷺ، وأحد أعمدة الإسلام الذين بُنيت بهم هذه الأمة.
.